لازم تجلسين ورا

TT

من المعروف أنه ممنوع على المرأة أن تسوق السيارة في داخل المدن السعودية.

وقد قرأت للكاتبة (بدرية البشر) في صحيفة «الحياة» وهي تتحدث عن خبر إعلان ألمانيا عن إطلاق أول سيارة تمشي دون قائد، ولكي يؤكدوا ذلك فقد صوروا الرجل الألماني يجلس في المقعد الأمامي رافعا يديه من فتحة سقف السيارة التي تسير، ليدلل على أن السيارة تمشي من دون أن يضع يديه على أي مقود.

وتنهي مقالتها بسؤال ملغوم تقول فيه:

لو أنني اشتريت هذه السيارة الألمانية التي لن أقودها بل إنها تقود نفسها، هل من الممكن أن أجلس قدام أم لازم أجلس ورا؟! وكلام بدرية ذكرني بموقف حصل لرجل مع زوجته عندما قال لي: إنني درست في بريطانيا لعدة أعوام، وعندما تخرجت كان لزاما علي أن أعود إلى وطني، فبعت بعض حاجياتي التي من الممكن أن أستغني عنها، فيما أنني استخسرت أن أبيع سيارتي التي هي في حالة جيدة، فشحنتها إلى بلدي - ومن المعروف أن نظام السير في بريطانيا هو على اليسار بعكس أكثر دول العالم، لهذا (فدركسيون) السائق هو بطبيعة الحال على اليمين - ويمضي قائلا: بعد أن وصلت السيارة بأمان الله، أردت استعمالها لقضاء بعض المشاوير التي تخصني، فركبت زوجتي على يساري في الكرسي الأمامي.

وفي طوال مساري لاحظت أن بعض السائقين يضربون لي (البوري) - أي الكلاكس -، وبعضهم يخرجون رؤوسهم وأياديهم من الشبابيك ويشيرون نحونا ويتكلمون بألفاظ لا أفقهها، لأنني لا أسمع الأصوات التي يحجبها الزجاج المغلق، وكذلك صوت الموسيقى والأغاني المنبعثة من الراديو.

وعندما زادت التحديات إلى درجة أن أحدهم كاد أن يصدمني عنوة، بدأ الغضب يجتاحني معتقدا أنهم يعاكسون زوجتي، ولا أدري على إيه يعاكسونها يا حسرة؟! - خصوصا وهي ملفوفة بالسواد الكامل - عندها أنزلت زجاج النافذة لكي أوجه بعض الشتائم لهؤلاء المزعجين.

وما كدت أفعل ذلك حتى تناهى إلى سمعي صوت ميكروفون سيارة الشرطة وهو يردد: يا صاحب السيارة (......) البيضاء (اسفط على جنب) - أي توقف بجانب الرصيف - وعرفت أنه يعنيني فتوقفت. فنزل منها الشرطي متجها نحونا، ولكنه قبل أن يصلنا كان هناك عدة أفراد من مختلف المشارب قد سبقوه وتحلقوا حول سيارتنا، وسمعت أحدهم وهو يمد يده ويصيح في وجهي قائلا: كيف تسمح (لحرمتك) أن تسوق السيارة وأنت جالس بجانبها (كالرويبضة). أليس لديك غيرة؟! ألا تستحي من نفسك؟!، (تف) عليك. وفي هذه الأثناء وصل الشرطي وتعجب بل وتهول مما يشاهد، وإذا به يسألني بذكاء يحسد عليه وذلك عندما قال: كيف تستطيع زوجتك أن تسوق من دون دركسيون؟!، ولماذا أنت تجلس في اليمين؟!، عندها انكشف لي (اللغز) الذي لم أفطن إليه، وعرفت أن هؤلاء الذين كانوا يطاردونني كانوا يعتقدون أن زوجتي هي التي تقود السيارة لأنها تجلس على اليسار، وشرحت للشرطي عن موضوع صناعة السيارات في بريطانيا، فتفهم الموضوع غير أنه نصحني نصيحة حكيمة شكرته عليها عندما قال: أحسن لك خل زوجتك دائما تركب (ورا)، لكي لا يلتبس على الناس ويعتقدون أنها هي التي تسوق.

بعدها قررت أن أتخلص نهائيا من تلك السيارة بأي ثمن، وهي التي جلبت لي من الشتائم والإهانات الشيء الكثير.

وإذا كان لي من كلمة أخيرة فلا بد أن أقول: (فتش عن المرأة)، إن كانت تسوق أو تنساق.

[email protected]