جعلونا نشتهي التزوير

TT

أنا ضد الانتخابات في العالم العربي، لسببين: فهي إما مزيفة وتنتهي إلى عودة أهل السلطة إلى الأبد، وإما صادقة ويفوز بها الذين يكرهون الديمقراطية والحريات ويعتبرونها اختراعا صهيونيا.

حضرت انتخابات البحرين كذريعة فقط، أما الحقيقة فهي أنني كنت مشتاقا إلى الجزيرة. وفي هذا البلد، الذي يعتبر، بشبه إجماع، أحد أرقى بلدان العرب، فاز كارهو الديمقراطية والذين يعتبرون البرلمان طريقا إلى الحكم لا طريقا للرقابة على الدولة.

قبل ذلك كان قد وقع في الكويت حدث لم يلتفت إليه أحد: عزلت الدولة سفيرها لدى الأردن، وهو من آل الصباح، لأنه ترأس هجوما عنيفا على محطة تلفزيونية تهاجم الأسرة والدولة والحكم. قيل للرجل، بعد توقيفه 8 ساعات، لا أحد ينقد القانون سوى أهل القانون. غيرتك على الدولة لا تسمح لك إطلاقا بمخالفة قوانينها ودستورها. هكذا تتصرف الدولة في الكويت، لكن هذا ليس مستوى التصرفات في برلمانها. في برلمانها يقاضى وزير الإعلام بسبب كتاب في معرض الكتاب، أو تستجوب الحكومة بسبب أجر نجوى كرم في حفلة خاصة، أو يعرض بعض النواب في حفل عام ذوي الحاجات الخاصة بحجة أنهم يريدون تذكير المجتمع بهم. لا أذكر عرضا أكثر إساءة لهؤلاء الناس من تلك المسخرة القليلة الذوق والمشاعر.

لماذا ندعو الناس إلى الانتخاب؟ هل من أجل أن نكشف لأبنائنا البثور التي تضرب المجتمع العربي؟ هل من أجل أن تسلم الديمقراطية إلى من يفهمها على أنها دك النظام وتسحيق السياسة الوطنية وإعادة مسيرة الأمم إلى قرون الفتنة والصراعات وتقديم الغرائز على العقل والمسؤولية؟ ماذا حدث بعد نصف قرن من ممارسة الديمقراطية في الكويت؟ حدث أن القبائل قررت أن تنتخب ممثليها في البرلمان، كأنما هذه ليست الدولة الدستورية التي أسسها عبد الله السالم، وقدمها إلى محافل العالم، كنموذج للدول التي استحقت استقلالها في العالم الثالث.

كل ما فعلته في انتخابات البحرين أنني ذهبت للسلام على رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان، وهو يقترع. وهناك سألني مراسل «الوطن» الكويتية، إن كنت أعتقد أنه سوف تكون هناك عمليات تزوير، فقلت له: من يريد أن يزور ليس مضطرا للدعوة إلى انتخابات. وكم أتمنى لو أن المراسل طرح علي السؤال بعد النتائج، لكنت قلت له إن الطريقة الوحيدة للمجيء بأهل الديمقراطية في العالم العربي، هي التزوير.