مستقبل أوباما

TT

هل سترغم خسائر الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية الرئيس الأميركي باراك أوباما على إعادة النظر في أولوياته الداخلية والخارجية؟

على مدى العامين الماضيين، حاول أوباما التعامل مع وضع داخلي سيئ جدا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وملفات سياسية خارجية بالغة التعقيد، إضافة إلى حربين امتدت إحداهما لتصبح أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة.

غياب التجربة التنفيذية والحذق السياسي كان ولا يزال له نصيب كبير في تعثر الرئيس أوباما، كما أدى عمق الأزمة الاقتصادية إلى انقلاب الكثير، ممن نفد صبرهم، ضده.

الحزب الجمهوري لم يبد أي استعداد للتعاون مع الرئيس، ووجد في المأزق فرصة لشنقه عبر تركه بمفرده لتحمل معظم نتائج سياسات رئيسهم الجمهوري السابق جورج بوش.

مستشارو الرئيس أوباما لم يكونوا أوفر حظا وأقدر على تقديم النصائح والسياسات السديدة لرئيسهم. فعدد منهم تحصل على وظيفته كمكافأة لدوره إبان حملة الرئاسة الانتخابية.

تواضع الخبرة السياسية التنفيذية وضعف المستشارين ومقاطعة الجمهوريين أسهمت جميعا في هبوط أسهم أوباما وحزبه الديمقراطي.

سياسته الخارجية المنفتحة لم تصادف الكثير من النجاح، خصوصا في العالم الإسلامي والشرق الأوسط.. فمباحثات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل في حالة من التأرجح المستمر بسبب تلاعبات بنيامين نتنياهو وحلفائه اليمينيين المتطرفين واستضعافهم للمكتب الرئاسي واستقوائهم عليه باللوبي وقوتهم في الكونغرس.

أما يده المبسوطة نحو إيران فلم تجد سوى الرفض والازدراء من قبل الملالي في طهران، ذلك كله خلق انطباعا محليا بضعف الولايات المتحدة على الساحة العالمية وجعل الشعب الأميركي يلقي باللوم في ذلك على أوباما وإدارته الضعيفة، في نظرهم، عند مقارنتها بإدارة بوش المتغطرسة باستمرار.

المشكلة أن ضعف الإدارة محليا يجعل الفرقاء العالميين والخصوم والحلفاء، على حد سواء، لا يحملون مواقفها وقراراتها وآراءها بنفس الجدية والصدقية، وهذا بدوره ينعكس سلبيا داخليا ويؤدي إلى المزيد من الضعف المحلي الذي ينعكس سلبيا خارجيا، وهكذا تستمر الدوامة.

تقليديا، الأنظمة التي تعاني مشكلات أو تمزقا أو ضعفا داخليا عادة ما تلجأ إلى خلق أزمة خارجية، أو، في حالة أوباما، البحث عن نجاحات في سياساته الخارجية أو عبر شن ضربات جراحية استباقية على إيران في حالة استمرارها في رفض العروض الأميركية للتعامل مع ملفاتها، وعلى رأسها الملف النووي، الذي لا يرهق كاهل واشنطن وتل أبيب فقط، بل الدول الخليجية كلها، ومصر أيضا.

ولأن مسؤولية إدارة السياسة الخارجية تخص الرئاسة والجهاز التنفيذي فقط، فيمكن للرئيس، بعد الانتخابات النصفية وعقب التخلص من عدد من مستشاريه الفاشلين في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية، أن يحقق بعض النجاحات حتى مع حصول الجمهوريين على الأغلبية في مجلس النواب.

من جهة أخرى، فإن تحول الجمهوريين إلى أغلبية في الكونغرس ينهي قدرتهم على الاستمرار في المقاطعة واللوم والإفشال، التي اعتمدوها خلال العامين الماضيين. فتحولهم إلى جزء من المؤسسة الحاكمة يضعهم أمام مسؤوليات الحكم والقرار والمساءلة أمام الناخبين في عام 2012، مما يضطرهم إلى تغيير استراتيجيتهم والتعامل مع أوباما في محاولة للوصول إلى بعض النجاحات المشتركة.

وقد يؤدي ذلك إلى تحسن فرص إعادة انتخاب أوباما لفترة ثانية.

إمكانية حدوث حرب داخلية بين مكونات الحزب الجمهوري بعد تسلل عناصر حركة الـ«تي بارتي» أمر وارد وحقيقي. وهذا من شأنه ألا يؤدي إلى انفجار الحزب فقط، لكنه سيؤدي أيضا إلى مزيد من الشلل والتشرذم الداخليين.

أما الحزب الديمقراطي فهو قد كان ولا يزال يعاني غياب رؤية شاملة واستراتيجية للولايات المتحدة ودورها داخليا وخارجيا، وتخضع سياسته للآني والتكتيكي والحلول الوقتية والمرحلية، مما يضعف قدرته على قيادة الشعب الأميركي نفسيا ومعنويا.

وأمام هذه المتغيرات كلها وتأثيراتها يكمن مستقبل رئاسة أوباما، وما إذا كان سيصبح رئيسا لفترة رئاسية واحدة فقط، على غرار جيمي كارتر، أو سيتغلب على الفشل والقصور السابقين ويقلب الموازين لصالحه، كما فعل الديمقراطي الآخر بيل كلينتون الذي أصبح رئيسا لفترتين.

خسارة أوباما للرئاسة عام 2012 ستكون لها تداعيات سلبية كبرى على الأقليات؛ حيث سيضعف ذلك احتمال تولي أي شخص من أصول غير بيضاء المنصب الرئاسي لفترة طويلة مقبلة.

* كاتب ليبي مقيم في واشنطن