وقاحة!

TT

يفتقد المجتمع الدولي جدارته وأمانته وموضوعيته ومصداقيته حين يركز اهتمامه في ما يخص الشأن النووي بإيران وبرنامجها ويغفل الوضع المقلق لبرنامج إسرائيل القديم، وهي مسألة يجب أن تثير القلق، لكون الدولة صاحبة هذا البرنامج لها سجل خطير في احتلال أراضي الغير والاعتداء على ممتلكات دول مجاورة وغير مجاورة لها من دون وجه حق وبمخالفة صريحة للأنظمة والقوانين الدولية.

لكن يبدو أن هذا الوضع يقلق بعض الإسرائيليين أنفسهم.. ففي كتاب مهم ولافت بعنوان «أسوأ سر مخبأ»، كتب الفيلسوف الإسرائيلي أفنر كوهين عن ضرورة إفصاح إسرائيل للعالم عن برنامجها النووي، وإخضاعه للقوانين والمعاهدات والمواثيق وللرقابة الدولية.. لأن كوهين يعتبر أن «سرية» البرنامج النووي الإسرائيلي كانت ذريعة للكثير من الممارسات غير الديمقراطية في الداخل الإسرائيلي بين الإسرائيليين أنفسهم، لأن الجهاز القائم على البرنامج النووي هو أكثر سرية وخطورة من جهاز الموساد نفسه، ولا يحكمه أي قانون محلي، وهذا هو الثمن الذي يدفعه الإسرائيليون بحسب رأي كوهين. فالإسرائيليون لا يعلمون أي شيء عن البرنامج، ولكن يسمعون عن مفاعلاتهم في صحراء النجف، ويعلمون أن لديهم أكثر من 600 رأس نووي قابلة للإطلاق من طائرات وصواريخ وغواصات، لكنها كلها أخبار يتم تناقلها عبر معلومات خاصة وسرية.

واليوم إسرائيل هي سادس أقوى قوة نووية في العالم، لكنها قوة غير شرعية وسرية، وبالتالي لا تخضع مثل غيرها من الدول للاتفاقات والمواثيق. إسرائيل أطلقت برنامجها النووي منذ فترة الستينات الميلادية من القرن الماضي، وذلك بالتعاون الوثيق مع دولة مارقة أخرى وقتها وهي جمهورية جنوب أفريقيا العنصرية، وكانتا تجريان التجارب معا. وإسرائيل كانت لديها خطة بديلة عام 1967 لترهيب العرب، وذلك بتفجير نووي محدود لإظهار قوة إسرائيل، لكنها تراجعت عن ذلك في اللحظات الأخيرة. وكذلك هناك رواية يرددها بعض الإسرائيليين بأن هناك طائرة محملة برأس نووي كانت فوق القاهرة إبان حرب 1973 تهدد مصر إذا تمادت في الدخول في العمق الإسرائيلي.

حاول نيكسون إجبار إسرائيل على الدخول في المعاهدات النووية، لكنها لم تخضع، وتمكن اللوبي الإسرائيلي القوي النفوذ في أميركا من إنجاز صفقة مهمة، وهي أن إسرائيل لن تدخل هذه الاتفاقية في مقابل أنها لن تقوم بعمل تجارب نووية ولا الإعلان عن برنامجها النووي.

لكن إسرائيل لم تكف عن حراكها النووي، سواء أكان ذلك بتطوير قدراتها التقنية بشكل مذهل أو القضاء على كل معلومة أو مسرب للمعلومة، كما حدث مع مردخاي فعنونو المهندس الإسرائيلي الذي سرب للعالم معلومات في غاية الأهمية عن برنامجها. وكذلك تمكنت إسرائيل من تدمير المفاعل النووي بالعراق باعتداء عسكري معروف، وهي المتهمة الأولى بتدمير المفاعل النووي السوري بدير الزور، الذي تم الاعتداء عليه منذ وقت غير بعيد، وهي المسؤولة عن اغتيال أرتال من العلماء النوويين العرب عموما والمصريين منهم تحديدا، ولعل أشهرهم العالم المصري الشهير يحيى المشد الذي اغتيل في ظروف استخباراتية مريبة.

المعلومات المتسربة عن البرنامج النووي الإسرائيلي لم تعد جديدة، لكنها إدانات متواصلة للمجتمع الدولي الذي يغفل عن متابعة برنامج موجود ومتكامل وقديم، لدولة معتدية ومحتلة وبلا حدود دولية معترف بها ومخالفة للعهود والمواثيق والقرارات الدولية!.. إنها الوقاحة بامتياز.

[email protected]