بل يقتلون الوقت

TT

تساءل الكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس في مقاله بصحيفة الـ«واشنطن بوست»، ونشرته صحيفتنا أمس، عما إذا كانت إيران جادة في تفاوضها مع أميركا حول الملف النووي، أم أنها تمارس عملية قتل الوقت. والإجابة هي أن إيران، تمارس المماطلة بالطبع، وقتل الوقت، سواء في الملف النووي، أو في العراق، ولبنان، وتشاركها في ذلك سورية. وقد يتساءل البعض: وما علاقة هذا بذاك؟

في مقاله، يشير إغناتيوس للحروب بالوكالة بين أميركا وإيران في المنطقة، والتي قال إن مسرحها لبنان والعراق، فبينما تضغط طهران لتحقيق مكاسب سياسية هناك من خلال وكلائها، وذلك لتعزيز موقفها التفاوضي، فإن أميركا وحلفاءها بالمقابل يكتفون بدور المقاوم، وبضعف، ويتوقع الكاتب أن تتصاعد الحرب بالوكالة داخل بيروت وبغداد في قادم الأسابيع.

وهذا ما يحدث بالفعل، من قبل إيران وسورية، فهما من جهة توحيان بأنهما حريصتان على التهدئة في لبنان والعراق، لكنهما تواصلان بالدفع لتحقيق مكاسب، وقد يكون العراق نموذجا أسهل للشرح هنا. فالملاحظ أن جميع دول الجوار العراقي، ومعهم أميركا، وبالطبع إيران وسورية، يستخدمون تعبيرا واحدا عند الحديث عن التشكيل المرتقب للحكومة العراقية، فجميعهم يقولون: «ندعم حكومة شراكة وطنية تمثل جميع المكونات العراقية»، لكن ما معنى ذلك؟ بالنسبة لإيران وسورية هما تريدان تمرير حكومة شراكة وطنية، لأنه من المعروف، والمتوقع، أن تكون حكومة ضعيفة، وبالتالي فإن طهران ودمشق تنتظران الموعد النهائي للانسحاب الأميركي من العراق في 2011 للانقضاض على البلاد، وإدارتها من الداخل، مثلما تفعلان في لبنان اليوم. وللعراق ميزة مختلفة عن لبنان، فهناك النفط، والنفوذ السياسي، على الخليج، وتحديدا السعودية، وبالتالي فإن إيران ستحمل العراق في جيبها كما يحمل الفرد بطاقة الفيزا الائتمانية، حينها ستقوم طهران باستخدام بطاقة العراق الائتمانية لتسديد فواتير مشترياتها السياسية، بالتفاوض مع أميركا مثلا، وتمويل وكلائها في بغداد ولبنان وغزة، وسيكون عنوان توصيل الطلبات هو طهران، بينما عنوان السداد هو بغداد، أي (billing address).

بينما نجد أن لدى باقي دول الجوار، ومعهم أميركا، هدفا تكتيكيا مثلهم مثل إيران، حيث يأملون أن تكون الحكومة العراقية المقبلة قادرة على الحد من النفوذ الإيراني في العراق، ولو إلى حين، وهذا ما سماه إغناتيوس بالمقاومة الضعيفة.

وللتدليل على أن طهران ودمشق، تمارسان لعبة قتل الوقت، لا بد من تأمل تصريحين لافتين، فوزير خارجية إيران - ردا على تصريحات صدرت في واشنطن عن أن أميركا قد تلجأ للخيار العسكري لمنع امتلاك طهران للسلاح النووي – يقول: «إنها مزحة، فأميركا منشغلة حاليا بالفوضى الناجمة عن انتخابات الكونغرس»، أي إن إيران تمارس لعبة الوقت، والظرف، جيدا مع واشنطن.

بينما في دمشق، أشاد الرئيس السوري أمس وأمام عضو الكونغرس الديمقراطي كيري بـ«رغبة الرئيس أوباما في تحقيق السلام بالمنطقة»، علما أن كيري قد قال قبلها بساعات بأنه لا أحد يستطيع تعطيل محكمة الحريري، ناهيك عن التصعيد الأميركي الأخير ضد سورية!

وعليه، فيجب أن نقتنع بأن اللعبة في منطقتنا هي لعبة قتل الوقت، والمماطلة، ما دام أنه لا توجد حلول حقيقية على الطاولة.

[email protected]