عندما داهمتني (الجنيّة)

TT

تكاثرت المحطات الفضائية الدينية، وفيها الغث والثمين أو السمين - ولا أدري هل الكلمة الصحيحة هي التي يجب أن تكتب بحرف (ث) أي الثمين الغالي، أم بحرف (س) أي السمين التخين؟!

أعود لموضوعي الذي كاد يفلت من بين أصابعي عندما تهت ما بين (حانا ومانا)، أو ما بين (الثاء والسين) - الله لا يبارك في الاثنتين.

ولكن تهون المحطات عند شبكات (النت)، التي دخلت يوما على موقع إحداها، وإذا بشيخ جليل - لا أستبعد أنه هو صاحبها، وهو يزعم بل ويجزم أنه يفك (السحر)، ووصل بمستواه أو خزعبلاته إلى درجة لا تصدق، وألطف ما في علاجه أنه نظري ومباشر وجماعي - وهنا مربط الفرس.

فقد طلب بكل ورع من المشاهدين: من كان به مس أو سحر أو عين أو دخله جنّي، أن ينسدح بجانب الشاشة ليقرأ وينفث هو على الجميع دفعة واحدة.

ولا أكذب عليكم أن (أذني ارتخت) - أي أنني تأثرت بورع ونبرات صوت الشيخ، وهذه هي نقطه ضعفي التي لا أدري كيف أتخلص منها؟!، ألا وهي سرعة تصديقي وتأثري، - أو على رأي أحد أصدقائي الذي يعرف تلك الخصلة في شخصيتي وينتقدني دائما عليها متسائلا: هل كل من يطبل لك ترقص له؟!

الواقع أنني فعلا في تلك الليلة رقصت ساعتها لذلك الشيخ، وقررت أن أخوض تلك التجربة الجماعية، خصوصا أنه قد مضى لي عدة أسابيع وأنا في شك من أمري، فأحلامي أصبحت غير مستساغة، وداهمني خوف حقيقي أن جنّية ما قد داخلتني وبدأت تتحرش بي، والمسألة لا يجب السكوت عليها إطلاقا.

فقلت بيني وبين نفسي (إن لقحت وإلا ما ضرها البعير)، جرب يا ولد فالتجربة ببلاش وليس ديتها غير الانسداحة والتمدد على الأرض، وما أسهلها وأرخصها من قيمة.

وفعلا أغلقت الباب ثم اقتربت من الشاشة وارتميت بطولي أمامها على الأرض، غير أنني احترت هل أتسطح مبحلقا نحو السقف؟!، أم أنبطح على بطني ووجهي مدفوس على السجاد؟!، أم من المفروض أن أتوجه بجسمي كله نحو الشاشة؟!، أم أعطيها وألقيها ظهري؟!

وهذا هو الأمر الذي نغص عليّ اندماجي واسترسالي، ومما زاد من اضطرابي هو حث الشيخ المتكرر للمشاهدين على الانتباه والسرعة، وفيما هو يتساءل ويقول: هل تمددتم؟!، هل أنتم على استعداد؟!، كنت أنا وقتها قد وصلت إلى قمة حيرتي، وأصبحت أتحرك (كالمقروص) يا ما بحلقت ويا ما انبطحت ويا ما تقلبت ذات اليمين وذات الشمال، متمنيا لو كان هناك اتصال مباشر بيني وبين ذلك الشيخ لأسأله: على أي وضع يجب أن أكون؟!

وما إن بدأ يقرأ حتى كانت الشاشة وراء ظهري فاستسلمت وجمدت في مكاني مخافة أن تفوتني البركة العملية كلها – أي قراءة الشيخ (ونفثه) لم تستغرق أكثر من خمس دقائق.

ثم قال الشيخ للجميع: هيا انهضوا بارك الله فيكم.

وكنت من أوائل الناهضين، وما نابني غير (كرمشة) ثوبي المكوي، من جراء تلك الانسداحة التي تنكست فيها ظهرا على عقب.

وفي الليلة التالية (الله لا يوريكم)، فما إن غطست بالنوم، وإذا (بالجنّية) تقتحم عليّ أحلامي وتأتيني كالعاصفة الهوجاء وهي أكثر شراسة وعدوانية، وهببت واقفا على قدمي أتخبط في الظلام إلى أن أشعلت النور، وشربت كأسا من الماء، وأخذت أقرأ: قل أعوذ برب الفلق.

اللهم أبعدني عن كل جنّية، وأيضا كل إنسيّة.

[email protected]