أحلام أوباما

TT

يبدو كأن الحلم الذي جاء مع باراك أوباما إلى البيت الأبيض قد نالت منه الحقائق. لا الناخب الأميركي ذو صبر بلا نهاية، ولا الناخب العالمي الذي اعتقد أن في إمكان أوباما أن يقفز حواجز الإدارة كما قفز حواجز الوصول من مولود كيني، إلى طالب باهر في هارفارد، إلى سناتور في شيكاغو، ثم إلى سيد البيت الأبيض في بلاد ملحمة العبيد.

حقائق السياسة غير أحلام الحالمين.. كل واحد منا خيّل إليه أن أوباما «سوبرمان» قادر على أن يحرر عبودياته. ونحن، في العالم العربي، خيّل إلينا أن علاقة أوباما الوجدانية بالقضية الفلسطينية سوف تحمله على تحرير البيت الأبيض من التبعية لإسرائيل.

لكن المسألة تبدو أعقد من ذلك بكثير؛ ها هو جورج بوش يروي في مذكراته أن إيهود أولمرت خاطبه قائلا: «جورج، يجب أن تضرب المنشأة النووية في سورية». كأنما جورج هذا ضابط برتبة أدنى في «جيش الدفاع». ولم ينفذ جورج الأمر، كما نفذ سواه. لم يستطع باراك أوباما إقناع نتنياهو وليبرمان بتجميد الاستيطان. ولم يستطع، أو لم يرغب له، في تطبيق نتائج الانتخابات في العراق وفقا للديمقراطية الأميركية. فقد سارع إلى تحمل مسؤولية الخسارة في الانتخابات، بينما لا يزال حليفه نوري المالكي يجول على العالم لكي يشرح لماذا لا بد من رفض نتائج الانتخابات العراقية، ولماذا يجب أن يبقى.

لا يزال الناخب الأميركي يقترع للرغيف وللسيارة والبراد، خصوصا للوظيفة. ومن سوء حظ أوباما أن الأرقام الحسنة في هذا المجال صدرت بعد الانتخابات بيومين. وحتى لو صدرت قبلها، ربما ما كانت لتغير شيئا. فأشهر الركود الطويلة أفقدت الرجل صورة «السوبرمان» القادر على تخطي العوائق و«صنع المطر».

لا شيء يبرر الإخفاق في عالم المسؤولية. لا يستطيع باراك أوباما القول إن هذا كله إرث لا يد له فيه: حروب جورج بوش، وإخفاقات جورج بوش، وكوارث جورج بوش المالية. ولا الحزب الديمقراطي يستطيع القول إن هذا من صنع الحزب الجمهوري. فالحزب ومرشحه يرث النجاح والكارثة معا. ترك بيل كلينتون لجورج بوش إرثا اقتصاديا لم تعرف مثله أميركا خلال ربع قرن. وترك له شرق أوسط قريبا من الحل الفلسطيني. وعندما ذهب كان النظام الرأسمالي برمته مهددا بالسقوط، وأميركا تعيش تلك الأجواء التي عاشتها في عشرينات القرن الماضي من ركود ويأس وفقر.

لم يستطع أوباما أن يحرك المسار الفلسطيني إلى الدرجة التي بلغها مع كلينتون. الأخير أسعفه وجود ياسر عرفات من دون معارضين، ووجود إسحق رابين، من دون نتنياهو وليبرمان. كان الفلسطينيون لا يزالون يصدقون، ولم يكن الإسرائيليون يذهبون إلى الاقتراع لانتخاب أفيغدور ليبرمان وسيرته الشخصية وتاريخه السياسي.