تكرار الأخطاء مجددا

TT

منذ ثماني سنوات، تحدث بن بيرنانكي، الذي كان محافظا حينها في الاحتياطي الفيدرالي (المصرف المركزي الأميركي)، ولم يكن أصبح رئيسا له بعد، في مؤتمر لتكريم ميلتون فريدمان. واختتم حديثه بتناول ادعاء فريدمان الشهيرة بأن الاحتياطي الفيدرالي كان مسؤولا عن الكساد الكبير، لأنه أخفق في فعل ما كان ضروريا لإنقاذ الاقتصاد.

وقال بيرنانكي: «أنت محق، لقد فعلنا ذلك. نحن آسفون جدا. ولكن شكرا لك، ولن نفعل ذلك مجددا».

والكلمات الأخيرة شهيرة، ولكننا في الحقيقة نفعل ذلك مجددا. صحيح أن الأمور ليست بنفس السوء مثلما كانت خلال أسوأ فترات الكساد الكبير. ولكن لا يمدنا ذلك بالكثير من الحقائق. وكما حدث خلال عقد الثلاثينات من القرن الماضي، فإن كل اقتراح لفعل شيء من أجل تحسين الوضع يُقابل بعاصفة من المعارضة والنقد. ونتيجة لذلك، عندما تظهر السياسات الفعلية، تكون قد تعرضت لتغييرات كثيرة بالدرجة التي تجعل من المؤكد فشلها.

وقد رأينا بالفعل هذا يحدث مع السياسة النقدية، حيث تسبب الخوف من المعارضة داخل الكونغرس في تقديم إدارة أوباما لخطة غير كافية، قبل أن نرى هذه الخطة تزداد ضعفا في مجلس الشيوخ، وفي النهاية، كان في مقابل الارتفاع البسيط في النفقات الفيدرالية تقليص نفقات على مستوى الولايات والمستوى المحلي، ولذلك لم تكن هناك خطة تحفيز اقتصادي حقيقية.

والآن، يحدث نفس الشيء للسياسة النقدية.

ويسيطر الرأي الذي تبني سياسة توسعية بشكل إضافي من قبل مجلس «الاحتياطي الفيدرالي»، وقد وصلت البطالة إلى مستوى مرتفع بشكل كارثي، بينما تماثل بيانات التضخم الأميركي على مدار السنوات القليلة الماضية بشكل مثالي تقريبا المراحل المبكرة لانزلاق اليابان بعنف نحو هوة الانكماش المدمر. وما يدعو للأسف هو أن السياسة النقدية التقليدية لم تعد متاحة، فمعدلات الفائدة قصيرة الأجل التي يستهدفها الاحتياطي الفيدرالي بشكل اعتيادي تقترب حاليا بالفعل من نقطة الصفر. لذا، يتحول الاحتياطي الفيدرالي من سياسته التقليدية لشراء الديون قصيرة الأجل فقط، وبات يشترى الآن الديون طويلة الأجل، وهي سياسة يشار إليها عموما بمصطلح «التخفيف الكمي» (لماذا؟ لا تسأل). وليس هناك شيء غريب بشأن هذه الخطوة. وكما حاول بيرنانكي التوضيح يوم السبت الماضي: «هذه مجرد سياسة نقدية»، وأضاف: «سوف تعمل، أو لا تعمل، بنفس الطريقة التي تعمل بها السياسة المالية العادية والأكثر تقليدية أو الشائعة».

ولكن «تكتل الخوف»، وهو المصطلح الذي أطلقه على الأشخاص الذين عارضوا كل جهد بذل لحل أزمتنا الاقتصادية، استمر في التوحش.

وفي هذه المرة، يأتي قدر كبير من الجلبة من حكومات أجنبية، التي يشتكي عدد كبير منها بشكل صاخب من أن الإجراءات التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي قد أضعفت الدولار، وكل ما يمكن أن أقوله عن هذا الاتجاه من النقد هو أن النفاق أصبح سميكا جدا، لدرجة أنه بات بمقدورك أن تقطعه بسكين. وعلى كل، أمامكم الصين، التي تقوم بالتلاعب بالعملة على نطاق غير مسبوق في تاريخ العالم، وتضر بقية العالم بفعل ذلك، وتهاجمون الولايات المتحدة لمحاولتها ترتيب أوضاعها الخاصة. وأمامكم ألمانيا، التي حافظت على نموها الاقتصادي بفضل الفائض التجاري الضخم، التي تنتقد أميركا بسبب العجز التجاري المتنامي لديها، وبعد ذلك تنتقد السياسة التي يمكن أن تفعل شيئا بالفعل لتقليل هذا العجز عبر إضعاف الدولار.

ولكن، كمسألة عملية، لا يهم هذا النقد الخارجي كثيرا. والضرر الحقيقي يحدث بفعل أميركيين ما لبثوا يحذرون خلال كل خطوة من مسيرتنا نحو الانكماش، على النمط الياباني، من تضخم تتعذر السيطرة عليه، يلوح في الأفق. وهم يفعلون ذلك مجددا، وربما يكونون قد نجحوا بالفعل في إضعاف السياسة الجديدة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. ومصدر القلق الكبير بشأن «التخفيف الكمي» لا يتمثل في أنه سوف يتسبب في حدوث نتائج كثيرة، ولكنه سوف يحقق القليل جدا من النتائج. وتشير تقديرات معقولة إلى أن سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الجديدة من المستبعد أن تقلل من معدلات الفائدة بشكل كاف يساعد على تقليل البطالة بنسبة متواضعة، والطريقة الوحيدة التي قد تجعل المجلس الاحتياطي الفيدرالي يحقق إنجازات أكبر تتمثل في تغيير التوقعات، وخصوصا عبر دفع الناس إلى الاعتقاد بأنه ستكون لدينا معدلات تضخم غير عادية نوعا ما على مدار السنوات القليلة المقبلة، وهو ما يقلل من الحافز للإبقاء على الأموال.

وفكرة أن التضخم الأعلى قد يقدم مساعدة ليست غريبة؛ فقد أثارها الكثير من الاقتصاديين وبعض رؤساء المجالس الفيدرالية الإقليمية وصندوق النقد الدولي. ولكن في نفس التصريحات التي دافع خلالها عن سياسته الجديدة، تعهد بيرنانكي بعدم تغيير السعر المستهدف لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، عندما قال: «لقد رفضت أي فكرة تقول إننا سوف نحاول رفع التضخم إلى مستوى أعلى من المعتاد، من أجل ترك آثار على الاقتصاد».

وهنا يكمن أفضل أمل في أن خطة مجلس الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن تحقق أهدافها بالفعل. فكر فيها بهذه الطريقة: بيرنانكي يحصل على العلاج من أوباما، ويتخذ ردة فعل أوباما. وهو يواجه معارضة شديدة ومخيفة لجهوده من أجل إنقاذ الاقتصاد. وفي سعي لإخراس الانتقادات، قلص بيرنانكي خططه بطريقة تضمن أن أصحاب هذه الانتقادات سوف يفشلون.

وسوف يدفع الثمن نحو 15 مليون أميركي يعانون من البطالة، نصفهم بلا عمل منذ 21 أسبوعا أو أكثر، في ظل استمرار الركود.

* خدمة «نيويورك تايمز»