وداعا أبا ياسر

TT

غيب الموت وزير الإعلام السعودي الأسبق محمد عبده يماني بعد حياة مثيرة بالأحداث. أبو ياسر، وهو الاسم الذي اعتاد محبوه أن ينادوه به، عُرف عنه حب الإطلاع والتواصل مع الناس ومساعدة الكثيرين منهم. تخصص علميا في علوم الأرض الجيولوجية، وبرع في الجانب التعليمي حتى ترأس جامعة الملك عبد العزيز، ومن هناك انطلق بعدها ليرأس وزارة الإعلام في زمان مثير كانت السعودية تمر فيه بأحداث جمة، والمنطقة بالكثير من التقلبات.

أجاد أبو ياسر التعامل معها بذكاء وحرص على «التوازن» مع الشخصيات المختلفة التي كانت تتابعه، ونجح في ذلك. كان أبو ياسر شخصية ثرية في الجوانب المختلفة؛ فهو يملك فضول الباحث والمثقف، ولديه حس الحارة الشعبي وقراءة الناس البسطاء و«خفة الدم» وحضور غير عادي يسرق المجلس في أي فرصة وبأقل جهد، سواء أكان بدعابة سريعة أم بتعليق خاطف ينال فيه استحسان الحضور وابتسامتهم، وكان كذلك ناصحا وجريئا ومدافعا عن الإصلاح والوسطية والمواطنة والمساواة، ولديه العديد من الكتابات والمحاضرات والمواقف التي تشهد بذلك.

كانت تربطه بوالدي الراحل علاقة خاصة، وهو الذي رشحه لوزارة الإعلام، كما قال للراحل يوما أمير النبل والوفاء سلمان بن عبد العزيز واستشهد الراحل بهذه الواقعة في برنامج تلفزيوني بعدها. وتواصلت علاقتي، وأعتز بالقول صداقتي، بالراحل عبر الوقت، ورأيت فيه سماحة وسعة صدر واستيعابه لتقلبات الدنيا وتموجاتها وحفاظه على الصداقات والعلاقات دون أن يتغير. فظل هو كما هو ابن مكة وأحيائها وأزقتها باقيا على صداقاته التي كونها آنذاك دون أن يتنصل منها ولا أن تغيره صداقات علية القوم التي عرفها بعد ذلك.

اهتم في السنوات الأخيرة بالتصدي لظواهر التشدد والتطرف الفكري التي ابتليت بها البلاد وكتب وحاضر كثيرا في ذلك الشأن، حاضر كثيرا كذلك في الوفاء للملك المؤسس عبد العزيز ومواقفه المهمة مع الكثير من الشخصيات المعروفة وغير المعروفة، وكذلك حاضر وفيا وذاكرا للمودة فيما يخص الراحل الملك خالد بن عبد العزيز، وهو الذي عاشره وكان وزيرا ناجحا معه وكذلك شارك في مناسبة تخص ذكرى الراحل غازي القصيبي الذي رافقه وزامله سنوات طويلة. عُرفت عنه فصاحته وبلاغته في السجالات الفكرية وعرف عنه استخدامه لجاهه وعلاقاته مع النافذين والمسؤولين لمساعدة المحتاجين وأصحاب الظروف الملحة.

في السنوات الأخيرة بالذات كتب ما يقارب الـ30 كتابا في مواضيع فكرية ودينية واجتماعية ودعوية وترجم بعضها إلى اللغة الإنجليزية، وكانت له أيضا بعض الإصدارات الروائية. صادق الإعلاميين والرياضيين والساسة ورجال الدين وأصحاب الأعمال وكان ناجحا ولافتا في علاقاته، مما جعله «نكهة» المجلس الموجود فيه، خصوصا إذا ما بدأ في سرد ذكرياته و«سوالفه» وطرفاته، وهي جميعا تستحق التدوين والتوثيق، لما فيها من معانٍ ومعلومات جميلة.

محبو محمد عبده يماني كثر وفي مناطق وبقاع مختلفة من السعودية والعالم العربي، سيفتقدون فيه الأخ والأب والصديق والناصح والعالم والمحب، كثير من الأحيان لم يكن بحاجة لأن يتحدث معك، فقط ينظر إليك ويبتسم ويلوح بيده فتنطلق الضحكة على شفاه الحاضرين. كان مواصلا لأحبابه وصحبه، عرف عنه ذلك، ولصحبته مذاق خاص وسيتأثر بفقدانه الأقرب إليه وهم: رجل الأعمال الكبير (وشقيق زوجة الراحل) صالح كامل، وكذلك السيد أحمد عبد الوهاب، والسيد أمين العطاس.. جميعهم سيشعرون بمرارة فقده، كما سيحسها غيرهم. كل العزاء لأبنائه البررة: ياسر وعبد الله وعبد العزيز، وكذلك لبناته وأسرته ومحبيه أجمعين. كان رجلا محبا وجميلا، ترك كل مجلس بابتسامة وتحية، وغادر الدنيا بمحبة وشوق إليه.

نسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يسكنه الحق، عز وجل، فسيح جناته وأن يلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.

[email protected]