الأسلحة الجديدة تتطلب وضع قواعد جديدة للحرب

TT

لقد غيرت الترسانة الجديدة من الطائرات التي تعمل من دون طيار والأسلحة الموجهة بالأقمار الصناعية من طبيعة الحرب؛ فالولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف الناتو يمتلكون هذه الأسلحة المتطورة، لكن البلدان الصغيرة تريد امتلاكها أيضا. وفي ما يلي لمحة من الداخل حول كيفية انتقال التكنولوجيا القتالية:

خاضت المملكة العربية السعودية، العام الماضي، حربا ضروسا مع المتمردين الحوثيين على حدودها مع اليمن. وقد بدأت القوات السعودية في قصف أهداف الحوثيين داخل اليمن في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، ولكن الضربات الجوية السعودية لم تكن دقيقة، تحدثت التقارير عن سقوط ضحايا من المدنيين.

وناشد السعوديون الولايات المتحدة أن تمدهم بصور مواقع الحوثيين التي ترصدها أقمارها الصناعية، ليتمكنوا من شن هجمات أكثر دقة عليها. ويقال إن الجنرال ديفيد بترايوس، الذي كان قائدا للقيادة المركزية الأميركية في ذلك الوقت، دعم الطلب السعودي الذي واجه بعد ذلك معارضة قوية من وزارة الخارجية وجهات أخرى حذرت بدورها من أن التدخل في هذا الصراع الحدودي، حتى لو بإمداد المملكة العربية السعودية بالمعلومات عن الأهداف قد يشكل انتهاكا لقوانين الحرب.

لذلك تحولت المملكة العربية السعودية إلى جهة أخرى للحصول على المساعدة؛ وهي فرنسا، التي لديها أقمار صناعية خاصة بالاستطلاع. ووافق الفرنسيون، الذين كانوا قلقين من أن القصف السعودي غير الدقيق سوف يخلف كثيرا من الخسائر بين صفوف المدنيين اليمنيين، على تقديم المساعدة للمملكة. وتم ترتيب التفاصيل اللازمة لهذا الدعم في غضون عدة أيام.

وعندما زار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الرياض في 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، كان على استعداد لفتح قناة الاتصال الاستخباراتي مع المملكة العربية السعودية من جديد. وكشف مسؤول سعودي أنه منذ أول ليلة بعد زيارة الرئيس الفرنسي إلى الرياض، بدأت صور مفصلة عن ساحة المعركة في اليمن تصل إلى السعودية إلكترونيا.

وباستخدام هذه المعلومات الاستخباراتية الدقيقة، استطاعت القوات السعودية رصد مخابئ الحوثيين ومعداتهم ومواقع تدريب مقاتليهم، ومن ثم شنت الطائرات الحربية السعودية هجمات شديدة الفعالية والتدمير على أهداف المتمردين الحوثيين. وفي غضون بضعة أسابيع، طلب الحوثيون هدنة، وبحلول فبراير (شباط) كان هذا الفصل من هذه الحرب الحدودية قد انتهى.

وبالنسبة للسعوديين، فقد كان هذا نصرا عسكريا مهما. وقال مسؤول سعودي: «لقد كانت فرنسا مفيدة للغاية» ومساعدتها «كانت سببا رئيسيا في تمكننا من دحر الحوثيين وإجبارهم على الاستسلام».

لكن ما حدث مع المملكة العربية السعودية يثير كثيرا من الأسئلة حول نقل التكنولوجيات التي أثبتت فعاليتها القاتلة خلال العقد الماضي في العراق وأفغانستان والمناطق القبلية في باكستان. وهذه الأسلحة جذابة بصورة مغرية؛ فهي تقدم الوعد بتدمير العدو من مسافة آمنة تتراوح بين 10000 قدم أو 20000 في الهواء.

ولكن هذا فتح الباب أمام كثير من المشكلات: فالسعوديون، ولأسباب مفهومة، يريدون الآن الحصول على تكنولوجيا الأقمار الصناعية، وسوف يطلبون قريبا من الشركات الغربية تقديم عروضها الخاصة بإمدادهم بهذه التكنولوجيا. وتسعى الرياض للحصول على طائرات من دون طيار يمكن أن ترصد وتهاجم أهداف العدو في المناطق النائية. وتدرس واشنطن إمكانية بيع إصدارات من طائرات من دون طيار إلى المملكة. وسوف تعزز هذه الأسلحة من قدرة السعودية على ردع إيران، لكنها يمكن أن تهدد إسرائيل أيضا.

وبالنظر للحالة التركية: فعلى مدى سنوات، سعت أنقرة للحصول على التكنولوجيا الأميركية لمحاربة ما تعتبره تمردا من قبل جماعات المتمردين الأكراد، لا سيما «حزب العمال الكردستاني» الذي يختبئ في شمال العراق. وقد وصلت الآن تلك المساعدة التكنولوجية الفائقة، حيث أقامت الولايات المتحدة «مركز القيادة المركزية» المشترك مع تركيا لطائرات الاستطلاع التي تعمل من دون طيار فوق شمال العراق. والآن يعتمد الضباط الأتراك على الصور التي توفرها لهم الطائرات الأميركية ويستطيعون بحرية شن هجمات على أي موقع وتحرك مشبوه يتم رصده. والولايات المتحدة لا تطلق أي طلقة في هذه المعركة، لكنها توفر الصور فقط.

وقد ألقت الحرب ضد تنظيم القاعدة في اليمن الضوء على المسائل القانونية المعقدة المتعلقة باستخدام التكنولوجيا. وقبل عام، رفضت القوات الأميركية الخاصة استخدام هذه التكنولوجيا المتقدمة لتحديد موقع أنور العولقي في اليمن، لأن اسمه لم يكن حتى ذلك الوقت على القائمة الرسمية للأشخاص المطلوب «أسرهم أو قتلهم» الذين يهددون أمن الولايات المتحدة. وأصبح الآن على هذه القائمة، لذلك، فإن إدارة أوباما قررت استخدام الطائرات من دون طيار لاصطياده من الأجواء اليمنية، وذلك بعد الحصول مع موافقة هادئة من الحكومة اليمنية.

وهذه الأسلحة جيدة لدرجة أن استخدامها يمكن أن يتحول إلى إدمان، إنها تقوم بنشاطات حربية دقيقة يمكن أن تسمى، في وقت آخر، عمليات «اغتيال». وترغب دول أخرى في حماية نفسها من المتمردين الإرهابيين تماما مثلما تفعل الولايات المتحدة. وهذا يعني أن الطلب على مثل هذه الأسلحة سوف ينمو.

وتبدو «قوانين الحرب» فكرة بالية في هذا العصر الذي تستخدم فيه الأسلحة الروبوتية التي يتم التحكم فيها عن بعد. ولكن، في الحقيقة، فإن وجود نظام قانوني دولي واضح لم يكن أكثر إلحاحا من الآن: وحقيقة من حقائق الحياة الحديثة هي أن الذين يعيشون في مناطق نزاع أضحوا الآن بصورة دائمة تحت رحمة أسلحة فتاكة. وهناك حاجة إلى وضع قواعد للأهداف وللذين يقومون باستخدام هذه الأسلحة على حد سواء.

* خدمة «واشنطن بوست»