«الكنز» الذي في بيتي

TT

نشرت جميع الصحف تقريبا قبل مدة: أن هيئة السياحة والآثار في السعودية قد اكتشفت نقشا (هيروغليفيا) فرعونيا على صخرة ثابتة بالقرب من واحة تيماء، وهو يحمل توقيعا ملكيا للملك رمسيس الثالث.

ونقل عن الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية زاهي حواس قوله: إنه تلقى دعوة من السعودية لمعاينة ذلك النقش، وهو يعتقد أن ذلك أمر طبيعي جدا، ولو تم عمل حفائر في الجزيرة العربية سنعثر على آثار تثبت الوجود الفرعوني في المنطقة.

ولقد تأملت هذا النقش ووجدته بجانب نقوش وكتابات ورسوم بدائية جدا مما تشتهر به صحراء الجزيرة العربية وجبالها، ويخامرني إحساس بأن ذلك النقش الفرعوني الدقيق ما هو إلا من (فعل فاعل) حاذق وذكي وخبيث في نفس الوقت.

وهو ذكرني بحادثة أو بمعنى أصح (بمقلب) حصل قبل عدة أعوام وقد كتبت عنه في حينه، ولا بأس أن أعيد ذكره اليوم باختصار، وذلك بمناسبة الاكتشاف الخطير لذلك النقش المزعوم.

والحكاية وما فيها: أن هناك صديقا فتح الله عليه من أبواب الرزق الشيء الكثير، وبحكم أنني أهفو دائما إلى مصادقة هذه النماذج الإيجابية من البشر، فقد كنت أتردد على زيارته بين الحين والآخر في مشروعه الزراعي في منطقة القصيم، وهو رجل مجتمع بمعنى الكلمة، إلى جانب أنه كريم و(اللي في يدو ماهو له).

ولفت نظري شاب مصري يعمل عنده، إن قلت عنه إنه فنان فهذه الصفة قليلة عليه، فقد كان يطوع الحجارة بجميع أصنافها وكأنها عجينة بين يديه، ونحت من التماثيل والنقوش والمسلات الفرعونية ما يخلب الألباب والأبصار، إلى درجة أنني قلت له: أبصم بأصابعي العشر أنك سليل الفراعنة بحق وحقيق.

وفي إحدى الليالي استأذنت منه للسفر في الغد الباكر، فقال لي: إنني في الإجازة الأسبوعية سوف أدعو مجموعة من المعارف المقيمين في الرياض إلى هنا، وجلهم من دكاترة وأساتذة جامعة الملك سعود، وأرجوك أخر سفرك حتى تحضر هذه المناسبة التي (أبيّت) لهم فيها أمرا ما.

وفي يوم الخميس حضر الوفد المكون مما لا يقل عن عشرة أشخاص من الأكاديميين المتقعرين، وبما أن الوقت كان شتاء باردا، فقد كان الغداء في الهواء الطلق بأحد الوديان.

وقبل أن ينتقلوا إلى هناك، حفر المرافقون بواعز من صاحب الدعوة لمجموعة من القطع المنحوتة المزيفة وهالوا عليها التراب، مع ترك أجزاء منها ظاهرة على وجه الأرض عمدا.

وما إن حضر الجميع وبعضهم أخذ يتجول مشيا على الأقدام في أنحاء الوادي، وإذا بنا نسمع فجأة صوت أحد الدكاترة وهو يصيح، تقافز البقية نحوه لينجدوه معتقدين أن ثعبانا قد لدغه، وهالهم ما شاهدوه من اكتشافه لهذا الكنز من الآثار المدفونة، وأخذوا يصورونها، واستقر رأيهم على الاتصال بإمارة المنطقة وبوسائل الإعلام، والغريب أن من انطلت عليهم وأكثر المتحمسين لهذا الاكتشاف كانوا من علماء الآثار.

وخوفا من أن ينتشر الخبر ضحكنا وكشفنا لهم الخدعة و(المقلب).

ولا أدري إلى الآن إذا كان ذلك الشاب المصري قد مر على واحة تيماء أم لا؟!

وعلى فكرة أهداني ذلك الصديق صخرة طولها (150 X 50) سنتيمترا ومنقوش عليها (إيزيس) وهي فاردة جناحيها، ووضعتها كتحفة في فناء منزلي، وكل من زارني وشاهدها أقول له: إن عمرها أكثر من ثلاثة آلاف عام، وكلهم كانوا يصدقونني، بل إن بعضهم نصحني قائلا: انتبه عليها من السرقة، فهي كنز يجب المحافظة عليه.

[email protected]