أجل للأسف

TT

تأخذ الإنترنت الحبر والورق وتحصد معهما الكثير من «أصول» الكتابة، لكي لا نقول «فنونها» و«روعتها». لا أقول ذلك كمخلوق من عصر الحبر، بل كمراقب يرى اللغة تتغير في كل مكان، من الإعلانات في شوارع جدة، إلى ما يسمى بالرسائل النصية، التي صار لها شيفرتها وتعابيرها ومختصراتها.

يجب أن نعترف بأن الذي شوّه لغة الإعلانات هم اللبنانيون. هم أول من لجأ إلى العامية والمحكية في الصياغة الإعلانية، على سبيل تقريب الفكرة إلى الناس. وقد يقال: هل من الضروري أن ألجأ إلى الفصحى لكي أروّج لرقائق البطاطا؟ لا. لكن هل من الضروري أن ألغي الفصحى تماما من أجل تسويق قلم حبر أو آلة طابعة؟ وإذا حدث ووقع ذلك في لبنان، فهل يجوز أن يقلَّد في أرض العربية ومهدها؟ أو أن يتحول إلى لغة عمومية في الخليج؟ هل تعجز أناقة الفصحى عن إيصال رسالة بسيطة إلى الناس؟

ثمة لغة جديدة تحل شيئا فشيئا مكان اللغة: الرسائل على الإنترنت المليئة بالأخطاء. الصحافيون الجدد الذين لا يعترفون بأمر الضوابط والفواصل والنقاط. ومعلمي المجهول الذي يملأ كل سطرين من زاويتي بنقطتين، لمجرد أنني كتبت مرة أن لا مكان في اللغة للنقطتين المتجاورتين. اللهم إلا إذا تغيرت القاعدة. وفي مسرحية «المحطة» للرحابنة يعود «سبع» ثرياً من الهجرة إلى الموصل والرقة، فيسأل صاحب محطة القطار عن موقع النهار فيقول، إنه الثلاثاء. فيصرخ «سبع» شاخطا: «أبدا، اليوم الخميس!». فبدلا من أن يصحح صاحب المحطة معلومات «سبع»، يصرخ في مساعده: «صلّح الروزنامة يا ولد».

يملؤنا عصر الإنترنت بالاختصارات ويغرقنا بالمعلومات ويجردنا من متعة القراءة. وقد قتل العصر آدابا كثيرة أولها الشعر، في كل اللغات. ولولا أن نوبل الآداب تعطى أحيانا إلى شاعر، من قبيل الحياة، لما بقي ذكر لذلك النوع من الأدب الذي قيل إنه اخترع الإنسانية. وكان المقصود بذلك شكسبير وسرفنتس وغوتة وطاغور وهوغو وأبا الطيب.

الإنجليزية ليس فيها اليوم تي إس إليوت، والفرنسية ليس فيها حتى شاعر شعبي مثل جاك بريغير. والجواب على عنترة العبسي هو: أجل، أجل، لقد غادر الشعراء من متردم.