بل هذا رغيف الملكة نفرتيتي!

TT

لأسباب كثيرة أحب الرئيس الفرنسي ميتران. ليس فقط لأنه فنان يتذوق الجمال في كل شيء.. في النساء أولا، ولأنه أديب وناقد فني، ولأنه يحب أن يشار إليه على أنه كذلك. وقد رأيت الرئيس ميتران في مدينة أسوان وهو يكتب الخطاب الذي سوف يلقيه؛ كأنه يتباهى بأنه ليس زعيما فذا فقط؛ وإنما هو أديب وخطيب أيضا. ولما جاء إلى مصر كان حريصا على أن يشير في خطابه إلى كل ما هو فرنسي. وقد وجد الكثير في قصر عابدين الذي كان يتناول فيه الغداء، ووجد عددا من العلماء البارزين قد تعلموا في فرنسا؛ ذكرهم جميعا ولم يغفل منهم أحدا.

وقد وجدت شيئا غريبا في طعام العشاء. بصراحة لم يعجبني أي شيء من الطعام.. لم يعجبني أن تكون الأطباق قد امتلأت بالطعام، وإنما أن يكون بها بعض الطعام.. ولا أعجبتني أطباق «السلطة» التي امتلأت تماما، والأفضل أن تمتلئ إلا قليلا..

وتصادف أن جلست إلى جوار الرجل المشرف على الطعام في قصر عابدين. هل أقول؟ هل أسكت؟ لن أسكت، ولا بد من أن أقول. فالرغيف الذي أمامنا غريب الشكل؛ لا هو مستدير ولا هو مستطيل ولا هو مربع، وإنما هو سريالي.. مربع من ناحية ومستدير من ناحية. سألت.. قيل لي إن السيد الرئيس يحب هذا النوع من الخبز. فنهضت من مكاني وسألت الرئيس إن كان صحيحا أنه اختار هذا الشكل للرغيف، وأنه اختار أن لا يكون للرغيف أي شكل. نفي الرئيس ذلك.

ولكني وجدت حلا.. فنحن قد رسمنا صورا للقصر، وكتبنا تعريفا بكل شيء، حتى نضيف إلى الضيوف معلومات قد لا يعرفونها عن آثارنا القديمة والحديثة.

واقترحت أن نعلق ورقة تقول: «هذا الرغيف بهذا الشكل وبهذا الحجم هو صورة طبق الأصل من رغيف الملكة نفرتيتي».. أي إننا لم نشأ أن نجعله مستديرا أو مربعا، وإنما نحن نفذنا بالضبط ما أحبته جلالة الملكة نفرتيتي. وهكذا ننقذ سمعة الرغيف وسمعة مصر أيضا. ولم يأخذوا برأيي، فيبدو أن جلالتها كانت تمزح عندما همست بها في أذن المسؤولين عن حفلات العشاء في قصر عابدين.. فتبدوا همساتها أفعالا، خاصة للذين صنعوه بهذا الشكل.. أو بهذا اللاشكل، فقد اعتدنا على طاعة الفراعنة.. فكان الرغيف!