خروج المعتدلين من العراق

TT

اتفاق العراقيين على إنهاء أزمة الحكم إنجاز تاريخي يستحق الشكر. بعد أشهر من التوجس نستطيع أن نتنفس الصعداء، فلولا اتفاقهم ربما انزلق العراق إلى طريق الهاوية. ورغم اختلاف القادة على المناصب والحصص فقد برهنوا في الانتخابات، وما تلاها، أنهم عمليون وواقعيون ومعتدلون وإن بدرجات مختلفة. لكن أكثر القوى اعتدالا خسرت، وهي القائمة العراقية، أكثرها تمثيلا في تركيبتها للشعب العراقي من سنة وشيعة وعرب وغيرهم، إضافة إلى أنها أكثر من فاز بأصوات الشعب العراقي. كنا نرجو أن تأخذ دورها في الحكم، خاصة في هذا الزمن الذي يتشكل فيه العراق، لتعزيز مفهوم عراق مختلط لا مشرذم ومحصص. إنما، بكل أسف، صار الخاسر في الانتخابات هو الكاسب في الرئاسات. نتيجة يلام عليها العراقيون والأميركيون وقوى المنطقة المعنية باستقرار العراق ومستقبله.

يلام الأميركيون لأنهم لا يزالون مسؤولين عن دعم الدولة العراقية الجديدة وبإمكانهم تجنيبها السير نحو الظلام. كان همهم فقط حسم الوضع المعلق بأي صيغة ولا يهم كيف سيكون المستقبل!

نتنفس الصعداء مع شيء من القلق، لأن ثمن إنهاء أزمة الرئاسات جاء بحكومة مشوهة، كثيرة المناصب والوعود والصلاحيات، تظهر التوافق وتبطن الخلافات والفتن بين المتحاصصين. مثلا، تم إحياء مجلس السياسات لإرضاء الدكتور إياد علاوي، الذي حرم من رئاسة الوزراء. المجلس الجديد يكرر ويزاحم مجلس الوزراء، وينافس نظريا موقع الرئاسات. سيزيد المشكلات، ولن يمنح علاوي أي قيمة حقيقية، وإلا فكيف يمكن لمجلس لا تقر فيه القرارات إلا بنصاب ثمانين في المائة أن يصدر أي قرار؟ الحصول على ثمانين في المائة شرط تلبيته شبه مستحيلة خاصة في وجود أحزاب متعددة ومختلفة. نحن رأينا كيف أن السياسيين فشلوا في تأمين واحد وخمسين في المائة فقط من الأصوات لحسم رئاسة الحكومة في ثمانية أشهر فكيف يمكن أن يجمعوا ثمانين في المائة؟

صلاحيات رئيس الوزراء الهائلة، الذي يحكم عمليا كل شيء في البلاد من أمن ودفاع ونفط ومالية وسياسة، لم تقلم رغم وعود بذلك. ها هي حكومة الرجل الواحد تتكرر اليوم رغم أنها يفترض أن تكون حكومة ائتلاف أحزاب لا حزب واحد. كيف سيدار العراق في الداخل؟ وكيف سيدير علاقاته مع دول الجوار؟

وجه اللوم إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش عندما حل الجيش والأمن فتسبب في انهيار الأمن. واليوم سيوجه اللوم إلى حكومة الرئيس باراك أوباما لأنه رغم فوز قائمة المعتدلين (العراقية) بالرقم الأكبر ووجود أكثر من فريق مستعد لدعمها، استسلمت وساندت الوضع القديم متخلية عن التزاماتها الأدبية. والخشية من تبعات الموقف الأميركي التي قد تكون كبيرة لاحقا.

فإذا كان العراق قد تجاوز ثمانية أشهر صعبة، فقد بقي أمامه نحو أربعين شهرا خطرة.

[email protected]