موسم الهجرة إلى الجنوب!

TT

السودان يستعد للاستفتاء الكبير الذي به سيتحدد «شكله» الجغرافي الجديد، وكذلك سيتم معرفة تركيبته السكانية المستقبلية، الاستفتاء المنتظر سيحدد قبول السودانيين لفكرة بقاء الجنوب ضمن دولة واحدة أو أن الانفصال سيكون هو المصير وبالتالي سيكون الإعلان عن دولة جديدة مستقلة هو الحل.

المنطق وقراءة سطور الأحداث يقولان إن الجنوب متجه نحو الانفصال وإن مصيره مرشح لأن يكون مثل تيمور الشرقية التي انفصلت عن إندونيسيا ومثل كوسوفا التي انفصلت عن جمهورية الصرب.

المجتمع الدولي بدأ يهيئ الرأي العام العالمي لـ«قبول» فكرة الانفصال واعتباره بمثابة حق تقرير مصير لسكان هذه المنطقة وبالتالي يجب قبول النتيجة لأنها تعكس الوضع في المنطقة، وكذلك بدأت الملايين تضخ في وسائل الإعلام الفضائية والمكتوبة والإلكترونية المحسوبة على تيار الانفصال لتصدح بنغمة الانفصال وتروج لها بقوة وبشكل مغاير عن المظاهرات والاحتجاجات التي كانت تحدث في السابق. فجأة أصبح جنوب السودان نكهة الشهر وطبق اليوم والموضوع المفضل!

الكل يبحث في شأنه ويبحث عن حماية سكانه ويدعي الحب والغيرة والحرص عليه، من نجوم سياسة وفن وإعلام ورياضة. الانفصال الجنوبي بات مسألة وقت ليس أكثر، فهناك اعتقاد عريض بأن المسألة محسومة وقطعية، والظاهرة الأهم هي أن الشماليين من أهل السودان بات لديهم «لغة» جديدة وموقف أكثر وضوحا في هذه المسألة فهم اليوم يقولون إن أهل الجنوب «مختلفون» عنا، نحن أهل القرية والمدينة وهم أهل الغابات نحن عرب ومسلمون بشكل رئيسي وهم مسيحيون ووثنيون وأفارقة والأهم والأخطر أن أهل الجنوب يتنامون بمعدلات ولادة خيالية مما يعني أن الشماليين في خلال عقود قليلة سيصبحون أقلية هامشية لبلادهم لأن هجرات العرب إلى السودان توقفت منذ زمن بعيد وكذلك تدنت مستويات الولادة وارتفعت معدلات الهجرة من السودان إلى بلاد العالم الواسعة.

السودان وأهل شماله تحديدا لا خوف لديهم من انفصال الجنوب عنهم ويعتقدون (وقد يكونون على خطأ كبير) أن سيناريو الجنوب لن يتكرر في مناطق أخرى مثل دارفور والنوبة وشرق السودان لقناعتهم بأن الأعراض والشكوى الموجودة في هذه المناطق هي تنموية واقتصادية وليست ثقافية وعرقية وبالتالي يمكن «حلها» ومواجهتها.

التجربة السودانية تراقب بحذر شديد في العراق من الأكراد وفي اليمن من أهل الجنوب فيه وفي المغرب من الصحراويين لأن التجربة لو نجحت ستفتح شهية آخرين لعمل نفس الشيء مع التأكيد على أن الحالات ليست متشابهة ولكنها سابقة مهمة ستبنى عليها الحجج وتستمد منها الأدلة والبراهين المساندة.

حراك الانفصال في السودان تحول إلى سباق محموم وترويج واضح لفكرة الانفصال ودعمها الدقيق على حساب الوحدة وإبقاء الوضع كما هو عليه، حتى الدول المجاورة للسودان مثل مصر وليبيا وتشاد وإريتريا وإثيوبيا جميعها بدأت تتعامل بواقعية وجدية وعملية مع مسألة الانفصال وتحضير نفسها للمرحلة القادمة والتواصل مع رموز الجنوب وساسته.

السودان الجنوبي سيكون دولة مؤثرة بعض الشيء في عوالم المياه، فهو سيصبح من دول حوض النيل وله بالتالي حصة «مستقلة» وكذلك دولة «مصدرة ومنتجة» للنفط وبالتالي سيكون دولة جاذبة للاستثمارات الكبيرة التي عادة ما تأتي مع قطاعي النفط والمياه.

إنه موسم الهجرة إلى الجنوب هذه المرة، كل هموم السودان ومستقبله تبدو معلقة فيما يخص المرحلة القادمة ومدى سلاسة الانفصال وكيفية تطبيقه. الوحدة لا تأتي بالإكراه؛ فالإحساس بالمواطنة لا يمكن إجبار الناس عليه لأن العيش بكرامة حق إلهي وتطبيقه يكون بالحق والقانون والعدل وإذا غاب ذلك نتوقع الأسوأ!

[email protected]