مزايا وعيوب الاتفاق السياسي العراقي

TT

ذكرتني أنباء تمكن العراق أخيرا بشأن تشكيل حكومة جديدة، بعد ثمانية شهور من المساومات، بحكمة عراقية تشير إلى حكمة الحلول الوسطى، تقول: «أحيانا تضطر للتضحية بلحيتك كي تنقذ رأسك».

الأمر الجيد بشأن هذه الفكرة أنها ستثمر ائتلافا حكوميا شاملا يضم جميع الأحزاب السياسية السنية والشيعية والكردية. وأخيرا، أصبح الجميع في قارب واحد. أما الجانب السلبي فهو استمرار نوري المالكي في رئاسة الوزراء، الذي تجلى قصوره في القيادة على امتداد السنوات الأربع الماضية. كما أن حقيقة كونه مرشح إيران أثارت التوتر في نفوس كثير من العراقيين، وهو أمر منطقي، خاصة أن العراق يستحق من هو أفضل.

أما الدور الأميركي هنا فكان مزيجا غريبا من النشاط والسلبية، فبسبب خشيتها من الانزلاق للتورط في احتلال العراق مجددا، لم تعلن الولايات المتحدة قط عن مرشحها المفضل لرئاسة الوزراء، الأمر الذي فتح الطريق أمام المالكي. وترتب على ذلك نتيجة غريبة تمثلت في وجود واشنطن وطهران على نفس الجانب. أما العنصر الإيجابي في السياسة الأميركية فتمثل في إرجاء الموافقة على المالكي رئيسا للوزراء لفترة جديدة، إلا إذا وافق على ضم خصمه الرئيسي، رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، الذي حصد حزبه عددا أكبر من الأصوات في انتخابات مارس (آذار) الماضي، على الانضمام إلى الحكومة. وضغط الإيرانيون لشهور على أمل دفع علاوي للإذعان، لكن بفضل الدعم الأميركي (بتأييد من أقوى حلفائنا في العراق، الزعيم الكردي مسعود بارزاني)، اضطر الإيرانيون للقبول بتشكيل ائتلاف يضم علاوي.

وكان يقال إن الاجتماع النهائي الذي عقد يوم الأربعاء الماضي في مكتب المالكي للتوقيع على الصفقة قد ضم أربعة لاعبين فاعلين وهم المالكي وعلاوي وبارزاني والسفير الأميركي جيم جيفريس.

وكان أنطوني بلينكين، مساعد نائب الرئيس الأميركي جو بايدن للسياسة الخارجية، المكلف بملف العراق في البيت الأبيض قد قال لي خلال مكالمة هاتفية: «هذه الحكومة تشكلت في العراق، ولم تتشكل في أي مكان آخر».

وكان بلينكين يقوم بالمهمة الصعبة لإقناع ودفع ساسة العراق في اتجاه توقيع صفقة على مدار الشهور الثمانية الماضية. وما يحسب للإدارة الأميركية هو أن هذه الجهود شجعت حلفاء الولايات المتحدة مثل بارزاني على القبول باتفاق تحالف يجمع كافة الأطراف على طاولة المفاوضات.

ومثل معظم الصفقات السياسية، كانت هذه الصفقة تحتوي على كل أنواع الصفقات المصغرة المعقدة وملاحق الاتفاقيات. وإليكم المقايضة الأساسية: سوف يحصل تكتل العراقية بزعامة علاوي على منصب رئيس البرلمان (وقد انتخب أسامة النجيفي لهذا المنصب اليوم (أول من أمس) بالإضافة إلى رئاسة المجلس الوطني الجديد للسياسات الاستراتيجية (وسوف يحصل علاوي على هذا المنصب) وربما منصب وزير الخارجية (ومرشح تكتل العراقية هو الزعيم السني صالح المطلك) في مقابل الموافقة على تولي المالكي لمنصب رئاسة الوزراء.

وقد حاولت إدارة أوباما تحري الوسائل المختلفة لجلب علاوي وقائمته المدعومة من قبل السنة للدخول في الحكومة، كما اتصل الرئيس أوباما بالرئيس العراقي جلال طالباني وحاول تحري إمكانية تنحيه عن رئاسة الدولة لعلاوي، لكن هذا الأمر لم يلق قبولا.

سيعاد طمأنة منتقدي المالكي (وغالبيتهم من الأحزاب السنية والشيعية)، مرة أخرى من أن بنود الاتفاق ستحد من قوى سلطات رئيس الوزراء وتعزز من قوة مجلس الوزراء. وهو نظام معقد من الصفقات والتوازنات، لكنه ليس بالضرورة ما يحتاجه بلد كان يعاني الكثير من المشكلات في اتخاذ القرار خلال النظام القديم، لكننا سنرى.

بالنظر إلى كل الأشياء السيئة التي يمكن أن تكون قد حدثت في العراق هذا العام (التي قد تقع في المستقبل) فإن الاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه هذا الأسبوع مدعاة لاحتفال متواضع.

* خدمة «واشنطن بوست»