غازي العروبة

TT

احتشدت في الحفل التأبيني الذي أقيم في مبنى تشاتم هاوس التاريخي بلندن قبل بضعة أيام في ذكرى فقيد العروبة والإسلام الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي، رحمه الله، مجموعة كبيرة ومتنوعة من المثقفين والدبلوماسيين العرب والإنجليز. واعتلت المنصة باقة منهم، كان بينها المصري والسعودي والكويتي واللبناني والفلسطيني والإنجليزي وسواهم. لفتت نظري منها كلمة خالد الدويسان، السفير الكويتي لدى المملكة المتحدة لما تضمنته من طرائف لذيذة ومقالب عجيبة عن حياة الفقيد وعلاقته الحميمة به. وما أروع البسمة عندما تأتي في أزمة! وهذه التفاتة بليغة في محتوياتها ومدلولاتها. فقد اشتهر القصيبي باهتماماته العروبية القومية حتى أشيع عنه تعاطفه مع حزب البعث في أيام خير البعث. وبالطبع كرس جهودا كبيرة وقسطا واسعا من حياته في تبني القضايا العربية ورتق المنازعات والمشكلات المتكررة بين الدول والحكومات العربية. كان منها محاولته إقناع صدام حسين بالانسحاب من الكويت واحترام سيادة ذلك البلد العربي. وكم يؤلمني اليوم غيابه عن لعب دوره في هذه المبادرة السعودية المباركة من لدن العاهل السعودي، حفظه الله، لكسر هذا الانسداد في الشأن العراقي.

لأبي سهيل علاقة وطيدة بالعراق ومثقفيه. وهو من المعجبين إعجابا كبيرا بشعر محمد مهدي الجواهري وسمعته يردد الكثير من أشعاره. بيد أن الشاعر العراقي سبق الشاعر السعودي في الانتقال إلى دنيا الآخرة، فلم يتسن له قول شيء في المناسبة. بيد أن شاعرا نجفيا آخر، هو الدكتور كاظم محمد الطباطبائي رحمه الله، بعث إلي قبل سنوات من بيته في أركنساس، في الولايات المتحدة، بقصيدة طريفة يدغدغ فيها مشاعر الشاعر والدبلوماسي السعودي ويظهر فيها البديع من بدائع الشعر العربي في فن الجناس واللعب على الأسماء والكلمات والأصوات. وطالما تغيب صوت العراق عن المساهمة في هذا التأبين البليغ، فما أجدر بي أن أعوض عنه بالاستشهاد بأبيات من قصيدة الشاعر الطباطبائي:

لا النثر لا شعري ولا إرجازي

تحصي فضائل شعركم يا غازي

إني قرأتك في جرائد جمة

ورأيت فيك حلاوة «التلفاز»

من سكر القصب اصطفيت قصيبه

فحلوت في التفضيل والإيجاز

وحلوت في عيني وثغري والنهى

وحليت أوسمة من الألماز

إن كان سكرك المفضل معجزا

فالفضل في «قصب»وفي إعجاز

في «الشاي» أنت حلاوة ولأنـ

ـت نعناع له في نكهة وطراز

والبن أنت ومن فناجين الهوى

ذر شفتك قوتها على إعزاز

تشفى بسكرك المذوب سكرا

أين ابن سينا منك، أين الرازي

أنت الضياء وكل أجواز الفضا

شعر لديك، فأعطني أجوازي

اللغز في شعر لديك فصاحة

فانثر علي قريحة الألغاز

أنت الذي تغزو القلوب محبة

فلرب غزو راق فيه الغازي