التسوية مع إيران تصب في صالح تركيا

TT

سواء أشعرت بضغط العقوبات الدولية أم كانت تحاول كسب الوقت، بعثت طهران بإشارات الآن إلى رغبتها في العودة إلى طاولة المفاوضات مع مجموعة 5+1 التي تتكون من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، حول طموحاتها النووية. ففي خطابه إلى منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون - أرسله الجمعة الماضي - أبدى سعيد جليلي استعداد بلاده استئناف المحادثات في وقت ما بعد 10 نوفمبر (تشرين الثاني) في الوقت والمكان اللذين يتفق عليهما الجانبان.

وفي ما بدا أشبه بمحاولة استباقية، خرج وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي ليعلم المراسلين في طهران يوم الأحد أنهم أطلعوا أنقرة على رغبتهم في استئناف المفاوضات في تركيا.

وإذا ما عقدت هذه المحادثات في تركيا وتمكنت من تحقيق تقدم يخفف من التوترات في المنطقة، فإن ذلك إلى جانب بعض الأشياء الأخرى سيعيد هيبة أنقرة التي يبدو أنها فقدتها في عيون حلفائها المقربين بسبب دعمها للنظام في طهران. ويصر رئيس الوزراء ووزير خارجيته الدؤوب أحمد داود أوغلو، بطبيعة الحال، على أن الحكومة هي الممثل الوحيد نتيجة لسياستها في الحفاظ على علاقات ودية مع جيرانها في التعامل مع إيران بالصورة التي كانت عليها. وهم يأخذون في ذلك استثناء خاصا من الاعتقاد بأن تركيا تعمل كمحامٍ لإيران.

لكن أنقرة وجدت صعوبة في إقناع واشنطن والحلفاء الغربيين الآخرين بهذه الغاية، بل على النقيض من ذلك، تزايدت الشكوك حول حكومة أردوغان، وتصاعدت نتيجة لدعم تركيا لإيران في اجتماعات الأمم المتحدة، دعم لا يتفق وآراء حلفائها في الناتو.

إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تضيف التقارير الإخبارية - التي لم تكن موثقة لكن على الرغم من ذلك تصدرت عناوين الصحف في أوروبا والولايات المتحدة - والتي قالت إن تركيا وصفت إسرائيل بـ«التهديد الرئيسي» في وثيقة أمنها القومي، والتي اشتهرت باسم «الكتاب الأحمر»، أن تضيف المزيد من التعقيدات في علاقة أنقرة مع حلفائها الغربيين.

ومن ثم لا يزال السؤال مطروحا عما إذا كانت المحادثات التي اقترحتها طهران يمكن أن تحدث على الأراضي التركية في ظل هذه الأوضاع. وتشهد أنقرة عددا مختلفا من الروايات حول ذلك. فعلى سبيل المثال يقال إن كاثرين آشتون تعارض فكرة استضافة تركيا للمحادثات النووية، لكنها واجهت معارضة من بعض مجموعة 5+1 الذين يعتقدون أن تركيا، على الرغم من كونها عضوا في حلف الناتو، التي دعمت موقف إيران، تستحق شرف استضافة المحادثات.

ويبدو أن هناك أيضا شكوكا عميقة، خصوصا من جانب واشنطن، حول دوافع إيران الحقيقية في الرغبة في استئناف المحادثات في هذا التوقيت تحديدا، حيث تعتقد الولايات المتحدة والدول الأوروبية أن إيران بدأت تحس بتأثير العقوبات الدولية. وهذا هو ما يجبر إيران على طلب المفاوضات الآن، لا لأنها ترغب في تسوية، لكن في تخفيف الضغوط الدولية التي تشعر بها.

هذا النهج يأتي على النقيض كلية من موقف تركيا، منذ البداية، بأن العقوبات لم تفلح في الماضي ومن غير المتوقع أن تنجح في المستقبل. إصرار إيران على إعلان طهران سيزيد الشكوك في واشنطن بأنها تحاول كسب الوقت وأنها تستخدم تركيا للقيام بذلك. وإذا ما تأكد هذا الاعتقاد فإن ذلك سيقوض من حظوظ أنقرة في استضافة المحادثات النووية. وفي الوقت ذاته أشارت طهران إلى أن أي محادثات يجب أن تقوم على أساس «إعلان طهران» الذي توسطت فيه تركيا والبرازيل في مايو (أيار) لمقايضة 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب.

لكن غالبية أعضاء مجموعة 5+1 يرفضون هذا ويقولون إن إيران زادت من مخزنها من اليورانيوم المخصب إلى 2000 كيلوغرام على الأقل منذ انهيار المحادثات النووية العام الماضي، وإن أي مفاوضات يجب أن تبدأ من هذه النقطة.

الإصرار الإيراني على إعلان طهران يهيئ الساحة لإثارة شكوك واشنطن من أن إيران تحاول كسب الوقت وأنها تستخدم تركيا للقيام بذلك. وإذا ما صح هذا الافتراض فإن ذلك سيقوض بصورة أكبر حظوظ روسيا في استضافة المحادثات النووية.

من ناحية أخرى، تظهر الإشارات الصادرة عن مصادر دبلوماسية في أنقرة أنه حتى وإن عقدت المحادثات في نهاية الأمر في تركيا فلن تكون أنقرة هي طاولة التفاوض.

ورغم رغبة موسكو في الحفاظ على المحادثات لمجموعة 5+1+ إيران دون تدخل لطرف خارجي، فإن إيران رغم ذلك قالت إن أطراف أخرى يجب إشراكها - تعني بذلك تركيا والبرازيل بكل تأكيد - لكن لا يبدو ذلك كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات.

إذا أقيمت المفاوضات في فيينا، التي يتوقع أن تكون مضيفة الحدث، ووقفت تركيا على الهامش تشاهد الفعاليات، فمن الواضح أن أي تقدم على صعيد المحادثات بين دول 5+1 سيخفف الضغط على أنقرة في علاقاتها مع واشنطن.

إضافة إلى هذا، فمن المؤكد أن اتفاقا يمكن التوصل إليه مع إيران - سواء شاركت فيه تركيا أم لا - سيخفف أيضا من التوترات الإقليمية التي تتعارض مع المصالح التركية أيضا.

هذه الميزات المتوقعة التي ستتجمع لدى تركيا تجعل من التسوية مع إيران ذات أهمية مزدوجة بالنسبة إلى تركيا لأن حكومة أردوغان بحاجة أيضا إلى ضمان ألا تستخدم من قبل إيران التي تحاول كسب المزيد من الوقت.

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية