أوقفوا هجرة المسيحيين من بلاد المسلمين

TT

ما جرى لكنيسة النجاة في العراق من تدمير وتقتيل وصمة عار دينية وإنسانية وقانونية في جبين العصابة التي ارتكبت هذه الجريمة، وأول المتضررين بمثل هذه النزوات الطائشة لبلطجية «القاعدة» هي الدعوة الإسلامية الوسطية السمحة، تماما مثلما تأثرت الدعوة الإسلامية سلبا بعد جريمة 11/9 حين تقهقر النشاط الدعوي كثيرا وأقفلت بعد هذه الجريمة مئات المؤسسات الإسلامية وتعطل تمويل عدد كبير من الدعاة وتشرد آلاف الأيتام والأرامل ممن كانت ترعاهم مؤسسات إسلامية معتدلة.

«القاعدة» بعملها الشنيع ضد كنيسة سيدة النجاة في العراق تحمل حتفها الفكري بيديها مثلما ضيقت على نفسها الخناق في عدد من الدول مثل السعودية، فحين كانت شعارات «القاعدة» تركز على مقاومة أميركا واستهداف الأميركيين كان الأمر مربكا لشريحة من الشباب المتدين والذين في أحسن أحوالهم لم يباركوا هذه الهجمات ولم يعترضوا عليها آخذين بقاعدة «لم آمر بها ولم تسؤني»، لكن «القاعدة» كشرت عن أنياب فكرها المنحرف وبلطجية أسلوبها حين استهدفت المنشآت الاقتصادية السعودية ثم الأمن السعودي كله باستهداف مركزه الرئيسي ثم لاحقا أرادت أن تغتال أحد رموزه وهو الأمير محمد بن نايف الرجل الثالث في حفظ الأمن الداخلي السعودي، فلفظ الناس شيئا اسمه «القاعدة»، وأصبح بعدها لا يؤمن بمنهجهم ولا يقتنع بفكرتهم إلا معتوه متهم في سلامة عقله وتفكيره.

أما احتجاج «القاعدة» في العراق لتبرير الهجوم على الكنيسة العراقية بنصرة السيدتين اللتين أشهرتا إسلامهما وقالت الأخبار بأن الكنيسة خطفتهما، فسيكون تبريرا مقبولا، إذا قبلنا بالمقابل هجوما من اليمين البريطاني المتطرف على مسجد في لندن وإحداث مجزرة فيه بحجة الانتصار لمرأتين مسلمتين اعتنقتا المسيحية واحتجزتهما إحدى المؤسسات الإسلامية في فرنسا مثلا، ما هذا الهراء القاعدي؟ وما هذا المنطق الأعوج؟ وأي عار جلبته «القاعدة» على ديننا وأتباع ملتنا؟

إن من أوجب الواجبات أن يرفع العلماء والدعاة والمفكرون من المهتمين بالشأن الإسلامي عقيرتهم بالتنديد بمثل هذه الجرائم العشوائية التي ترتكبها «القاعدة» ضد الكنائس المسيحية والحسينيات الشيعية كالتنديد الذي نعلنه ضد المعتدين على المساجد ومراكز أهل السنة من قبل بعض متطرفي الشيعة أو اليمين المسيحي المتشدد، كما يجب أن تكون لغة التنديد قوية وواضحة وصريحة لا لبس فيها، فهؤلاء البلطجيون من موتوري «القاعدة» أمسوا بارتكاب مثل هذه الجرائم سببا في تشويه صورة الإسلام والمسلمين في كل مكان، يجب خنقهم فكريا والبراءة منهم ومن أفعالهم الشنيعة، إن السكوت أو حتى اللغة الرمادية الفضفاضة والتي واجهت جرائم «القاعدة» في بعض البلاد الإسلامية في التسعينات هي التي وفرت، ضمن عوامل أخرى، إطالة لأمد التأثر بهذا الفكر الموبوء، وليس ثمة من يقدر على لجمهم فكريا ومحاصرتهم منهجيا مثل العلماء والدعاة والمهتمين بشؤون الدعوة في القطاعين الدعويين الرسمي والخاص.

الأمر الآخر هو ضرورة التسلح في مواجهة هذا الفكر القاعدي الشاذ بعدد من الاستشهادت بأقوال الأئمة الذين تجعلهم «القاعدة» مراجع لفكرها مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، والذي أطلق مقولته الشهيرة «أهل ذمتنا قبل أهل ملتنا» ردا على التتار الذين أسروا مسلمين ونصارى فعرضوا على ابن تيمية، وكان السلطان قلاوون قد أرسله للتفاوض معهم، أن يطلقوا سراح الأسرى من المسلمين دون الأسرى المسيحيين، فأجابهم بذاك الجواب الذي يفتقد حكمته زعران «القاعدة».

[email protected]