البوابة الأخرى للأندلس

TT

طغت صورة انتقال السعودية إلى الثروة النفطية الكبرى في السبعينات على كل شيء آخر. أثار العالم أجمع أن قطعة من القطب الشمالي سوف تجر بحرا لضخ المياه المجلدة في الرمال الحارة. وتحدث الناس طويلا عن عرض ياباني بإقامة جبل عال من الرمل يؤدي إلى تغير المناخ، كأنما لا جبال ولا مرتفعات في الديار. وأخذ الإعلاميون والتجار ورجال الأعمال والفضوليون العاديون يتابعون أخبار مشاريع التطوير الحقيقية شبه الخيالية، في بلد كانت الرحلة فيه بين الرياض وجدة تستغرق ستة أيام بالسيارة، أوائل القرن الماضي.

تكونت في ذاكرة العالم صورة حديثة لدولة ثرية تلعب دورا محوريا في اقتصادات العالم وسياساته. وتركت للدول العربية الأخرى، مصر والعراق وسورية واليمن ولبنان، صورة الدول الضاربة في التاريخ، وما خلفه من آثار وما تركه من شهادات على الأحجار والأعمدة. ربما فوجئ السعودي العادي قبل سواه بالثروات الأحفورية التي بقيت في بلاده على مر الحضارات القديمة.

هل كان لا بد من دراسة علمية يضعها متحف اللوفر لكشف هذه الصورة المظللة بغير عمد؟ ربما. لكن نتج عن ذلك صورة بعيدة التصديق عن مدى ما تركته الحضارات في شبه الجزيرة العربية. تسنى لي أن أشاهد «روائع آثار المملكة العربية السعودية»، أولا في «اللوفر» الصيف الماضي، والآن في متحف برشلونة الوطني القائم فوق ما يسمى بـ«جبلها السحري»، الذي يجعلها تبدو فلورنسا أخرى.

أي كلام في هذا الباب سوف يبدو مبالغة. وكل انطباع عن الفنون والنقوش والأبجديات والآثار، قد يبدو مستعارا من متحف مصري. لكن هذا هو الواقع. المتحف سعودي هذه المرة. وكما تنتقل آثار مصر في مدن العالم لكي يأتي الناس إلى التأمل في نقوشات التاريخ وجمالياته، ها هم يبحثون عن مراحل تاريخية متزامنة في الآثار السعودية، التي بدأت جولتها في «اللوفر» وسوف تنتقل في الربيع إلى سان بطرسبورغ، حيث أعظم متاحف العالم، وبعدها إلى متاحف الولايات المتحدة.

لم تكن برشلونة بين مدن الأندلس. لكن التاريخ العربي دخل إلى إسبانيا هذه المرة من باب المتاحف والفنون. وظل هادئا ورصينا، وبرعاية ولي عهد الإسبان نفسه، وسليل آل بوربون. وقدم له الأمير سلطان بن سلمان الضيف العربي هذه المرة، دبلوماسيين وعلماء آثار وأصدقاء، من الآباء إلى الأبناء.