أسبوع الآلام الحزينة!

TT

قابلت صديقي الدكتور عبد العزيز حجازي، رئيس وزراء مصر سابقا. وجدته يتوكأ على عصا. قلت له: فاكر يا دكتور ونحن شباب كنا نصعد الجبال إلى الغابات ليلا في خفة الغزلان.. فاكر ليلة دخلنا الغابة وتوقفنا. ومع صوت الحشرات وخرير مياه نهر قريب لم نجد الطريق إلى الشارع.. فكان قرارنا جميعا - وكنا ثمانية - أن نبيت حتى الصباح على العشب وتحت رأس كل منا حجر أو فروع الأشجار، وجاء اليوم بسهولة وطلعت الشمس وارتفعت في السماء وتسللت أشعتها الدافئة.. وصحونا.. ورجعنا من الغابة نجري وفي أيدينا بقايا الخبز والجبن والتفاح وأشياء أخرى كثيرة - فظن خيرا ولا تسأل عن السبب!

وقال لي الدكتور حجازي: دي عاوزة قعدة نحكي ع اللي جرى واللي كان.. ع اللي جرى - كما تقول أغنية المطربة أصالة!

وفي إحدى صيدليات باريس قابلت زميل الدراسة المستشار عادل حسونة. وكان يتوكأ على عصا وعلى أحد أحفاده. قلت له: ازيك يا عادل.

فقال لي حفيده: ارفع صوتك.. جدي لم يعد يسمع إلا قليلا.. ولما لم أكن قادرا على الزعيق. قلت للحفيد: قل لجدو إنني سوف أطلبه في التليفون.

وفي أحد مستشفيات باريس سألت الممرضة: من هؤلاء؟ قالت: بلديات من مصر.

فقد رأيت وجوها يخيل لي أنني أعرفها، ولكن الصورة التي عليها الرجال والنساء لا تشجعني على أن أقترب وأسأل. فقد مات مريضهم.. ولا يستطيعون أن يصوتوا عليه.. فهنا باريس. وتضايقت وعدت إلى سريري أستغرق في القرف والملل.. والوجوه الصارمة الكئيبة الجادة. فليسوا في حاجة إلى من يقول لهم: إن شاء الله سوف يكون آخر الأحزان ولا باقي إلا الله.. وجاءت الممرضة ومعها ورقة مكتوب عليها اسم الفقيد. ولم أستطع أن أغالب دموعي وبكائي بصوت مرتفع. فقد كان زميل الدراسة. وتقدمت إلى أهله أقول لهم: يرحمه الله كان أعز الأصدقاء. الأعمار بيد الله.. إننا ندخل المستشفيات ولا نعرف هل سنخرج على أقدامنا أم على عجلات.

والصدفة السيئة أن أرى الأصدقاء الثلاثة في أسبوع واحد.. فحمدت الله أن ما زال في العمر بقية.. أما كم طول هذه البقية.. فالله أعلم وأرحم!