أعتقد أنني أستطيع الطيران

TT

بقراءتي لعناوين الصحف هذه الأيام، لا يمكنني إلا أن أردد هذه الحقيقة البديهية: إذا كنت تقفز من أعلى مبنى مكون من 80 طابقا، فإنك قد تعتقد أنك تطير خلال نزولك 79 طابقا وتوقفك المفاجئ في النهاية هو الذي يخبرك بأنك لم تكن تطير. أستغرب هذا العدد الكبير من القادة والدول التي تتصرف اليوم كما لو كانوا يعتقدون أنهم يطيرون، ويتجاهلون أن التوقف المفاجئ في النهاية قادم دون أدنى شك.

لكن من أين نبدأ؟ حسنا، لنبدأ برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان يتحدث عن التزامه بتحقيق السلام مع الفلسطينيين وهو الآن يرفض وقف بناء المستوطنات كشرط مسبق لبدء المفاوضات. وفي الوقت الذي يعيش فيه 300 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية، يقول بيبي إنه لا يستطيع أن يتخذ قرارا بتجميد بناء المستوطنات مره أخرى لاختبار ما إذا كانت الحكومة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، وهو الرجل الذي يقول عنه الإسرائيليون إنه أفضل شريك فلسطيني يتعاملون معه، باستطاعتها التوصل إلى اتفاق سلام مبني على إقامة دولتين وفي نفس الوقت يراعي المخاوف الأمنية لإسرائيل. وتحاول الولايات المتحدة الآن أن ترشي بيبي ليغير موقفه، وربما يوافق على ذلك، لكن من غير الملائم رؤية ذلك يحدث وهو أمر لا يبشر بالخير في نفس الوقت. وبدلا من أخذ زمام المبادرة لنقول للعرب وللفلسطينيين «أنتم تريدون تجميد الاستيطان؟ ها هو قد جمد، والآن دعونا نر ما الذي لديكم الاستعداد للموافقة عليه». رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يلعب بالرئيس أوباما، ويحاول أن يظهر إسرائيل كما لو أنها تريد المزيد من الأراضي أكثر من تحقيق السلام ويخاطر نتنياهو بعدم تضييع الفرصة أمام التوصل إلى أي اتفاق حول الضفة الغربية، حتى يتمكن من امتصاص 2.5 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة وبالتالي لا تكون دولته ذات أغلبية يهودية. وهذا هو التوقف المفاجئ الذي يواجه إسرائيل في النهاية، ما لم تأت الحرب القادمة أولا. ولكن حتى الآن، يبدو أن بيبي لا يزال يعتقد أنه يطير.

وبالقرب من هنا، فإن منكري قضية التغير المناخي في الولايات المتحدة قد نظموا حملة تضليل ضخمة جعلت «التغير المناخي» كلمة من أربعة أحرف في الحزب الجمهوري. وهذا يقوض الجهود الهادفة للحصول على فاتورة طاقة نظيفة، وهو ما قد ينهي إدماننا للنفط ويبعد المال عن هؤلاء الذين يقاتلهم جنودنا في الشرق الأوسط. وكل هذا حدث في 2010، والذي أوشك أن يكون العام الأكثر سخونة للكرة الأرضية على الإطلاق. وبحسبة رياضية: هناك 98 من أصل 100 من علماء المناخ يقولون إن انبعاثات الكربون الذي ينتجه البشر تشكل خطرا على مناخ هذا القرن، في حين يقول اثنان من أصل 100 من علماء المناخ إنها لا تتسبب في ذلك. و«المحافظون» اليوم يقولون لكم اجعلوا رهانكم مع الاثنين. وإذا كان منكرو التغير المناخي على حق، لكننا بذلنا جهودا لتجنبه، فإن هذه الجهود ستجعل لدينا أسعار طاقة مرتفعة بصورة طفيفة وهواء نظيفا والمزيد من الطاقة المتجددة ودولارا قويا وصناعات أكثر ابتكارا وأعداء ليس لديهم سوى القليل من المال. وإذا كان منكرو التغير المناخي مخطئون ولم نفعل شيئا للمواجهة، فسوف يواجه أبناؤنا التوقف المفاجئ في النهاية.

والكثير من الذين يعملون ضد إنتاج طاقة نظيفة يحاولون الضغط لجعل مجلس الشيوخ يرفض إقرار معاهدة «نيو ستارت» لخفض الأسلحة النووية التي وقعها الرئيس أوباما مع الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف. وهذه المعاهدة تسير في المسار الصحيح مثل الثلاث معاهدات السابقة التي وقعت بين الولايات المتحدة وروسيا بهدف خفض الأسلحة وجميعها تفاوضت عليها إدارات من الحزب الجمهوري. وإقرار وتنفيذ هذه المعاهدات سيجعل الولايات المتحدة أمنا وستساعد على خفض عدد الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا والعالم وتحسين العلاقات بين واشنطن وموسكو. أما إلغاء المعاهدة فقط، حتى لا ينسب نجاحها إلى الرئيس أوباما، وهو يسعى إليها بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، فلن يؤدي فقط إلى تدهور العلاقات الأميركية – الروسية، بل سيجعل من الصعب على روسيا، التي كان لضغطها على إيران واستعدادها لحظر تصدير صواريخ سطح - جو إليها، دور مهم في إبطاء البرنامج النووي الإيراني، أن تستمر في تعاونها مع الولايات المتحدة على هذه الجبهة. ولكن مهلا، من الذي يهتم بإضعاف إيران أو إضعاف العلاقات الأميركية - الروسية إذا كان بالإمكان إضعاف الرئيس؟ نستطيع أن نطير.

وأخيرا، هناك شيء خاطئ للغاية يتعلق بتصريحات ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، الذي قال إن «أهم شيء نريد تحقيقه هو أن نجعل الرئيس أوباما رئيسا لولاية واحدة فقط». وأوضح ماكونيل أن ذلك لم يكن بسبب أن الجمهوريين يسعون للوصول إلى الحكم (لا سمح الله)، ولكن لأن هذه هي السبيل الوحيدة التي يمكن من خلالها أن يحقق الجمهوريون أهدافهم المتمثلة في إلغاء مشروع قانون الرعاية الصحية وإنهاء عمليات الإنقاذ وخفض الإنفاق وتقليص ميزانية الحكومة.

من أين أبدأ؟ ونحن نعلم أن هذه لم تكن أهداف الحزب الجمهوري لأنهم لثماني سنوات في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش لم يقوموا بهذه الأعمال، بل قاموا بعكسها تماما. وحتى لو افترضنا أنهم يريدون تحقيق هذه الأهداف هذه المرة، فهم لم يوضحوا أبدا ما هي البرامج التي يريدون تقليصها وكيف يتم ذلك الآن من دون أن يزيد هذا من حالة الركود. ولكن حتى لو فعلوا ذلك، فهذه أولويات خاطئة، أولوياتنا الآن هي الحد من الركود الاقتصادي الذي بدأ في عهد الرئيس السابق جورج بوش، ووضع البلاد على طريق النمو الاقتصادي المستدام. وهذا سوف يتطلب تحسنا كبيرا في التعليم ومهارات العمال، وتمكينهم من البنية التحتية في القرن الـ21 لكي يكونوا أكثر ذكاء وأكثر إنتاجية. ونحن نعلم أن التخفيضات الضريبية وحدها لن تفعل ذلك وقد جربنا هذا الاختبار، أيضا في عهد بوش. وهو يتطلب استراتيجية معقدة لتحديث أميركا ورفع بعض الضرائب، كتلك المفروضة على الطاقة، وتخفيض الضرائب الأخرى، مثل المفروضة على العمال والشركات والاستثمار في البنية التحتية الجديدة والمدارس والبحوث وخفض الخدمات الأخرى.

لا أمانع أن يحقق الجمهوريون الفوز استنادا إلى أفكار جديدة مبدعة وليس اعتمادا على حقيبة من الكلام المتكرر. وهذا هو فقط تسول للوصول إلى توقف مفاجئ في النهاية.

* خدمة «نيويورك تايمز»