لا حلول خارجية مجدية حيث التفاهم الوطني متعذر

TT

«ما حك جلدك مثل ظفرك -

فتولّ أنت جميع أمرك»

(الإمام الشافعي)

كان مشجعا لليائسين الكثر في المنطقة العربية ظهور بوادر حلحلة في أزمة الحكم العراقية المتطاولة نحو ثمانية أشهر. أما في لبنان، فبقدر ما كان خطاب السيد حسن نصر الله الأخير مقلقا للبنانيين الذين غدوا مثل جحا في استساغتهم الكذب على أنفسهم، فإن دعوة قصر الإليزيه للنائب ميشال عون جاءت في خانة الإيجابيات.. أقله لإراحة المواطن - ولو لأيام معدودة - من مسلسل التوتير المكشوف المولج به عون ومن لفّ لفه.

حلحلة الأزمة العراقية، ولو كانت متنفسا رحبت به عدة جهات معنية، فإنها، بصراحة، لا تعني الحل. وبالتالي، فهي لا تبشر بنهاية قريبة لمعاناة الشعب العراقي الصابر. بل إن حالة الغموض التي شابت مناورات اللحظات الأخيرة، ومحاولات ترتيب الترضيات والتسويات «على الطريقة اللبنانية» مؤشرات أكثر من كفيلة بتضييق مساحة التفاؤل غير الواقعي.

ثم إن ما شهدناه خلال الأسبوع الماضي من «انفراجة» في العراق أتاحت البت في توزيع الرئاسات يشبه كثيرا «الانفراجة» التي سميت «اتفاق الدوحة» لإنهاء أزمة الحكم المتطاولة في لبنان وانتخاب رئيس جديد للجمهورية والتفاهم على تشكيل حكومة «وفاق وطني» (؟!) يمنع أي طرف من التمتع بأغلبية فيها، وتحظر على وزرائها الاستقالة. وكما هو واضح للعيان، نتج في لبنان اليوم وضع الشلل الفعلي باسم «التوافق»، وترحيل الملفات الساخنة بأمل تأجيل الفتنة، وتزايد الاحتقان والاستقطاب الطائفي تحت ذرائع حماية المقاومة ووقف المؤامرة الإسرائيلية - الأميركية من ناحية، والدفاع عن وجود الدولة وعلاقتها بالشرعية الدولية وإحقاق العدالة من الناحية المقابلة.

إذن لا حل نهائيا في العراق الآن، وهو حتما لن يأتي عن طريق «اللبننة»، كما لمح بالأمس أحد كبار الكتّاب اللبنانيين.

في المقابل، لبنان يخطو الآن فعلا نحو «العرقنة»، وهذا هو الاستنتاج المنطقي الذي يخرج به كل من سمع نبرة السيد حسن نصر الله، وردود الفعل عليه في الأسبوع الماضي.

فكلام الأمين العام لحزب الله - كما يفهم منه - يقرب «ساعة الصفر» ويقطع شعرة معاوية مع الفريق اللبناني الآخر، عبر تخوينه واتهامه بالتواطؤ مع إسرائيل إبان عدوان 2006 على لبنان، مع أن الرئيس نبيه بري، حليف حزب الله، كان شخصيا قد وصف الحكومة اللبنانية يومذاك بأنها «حكومة المقاومة» وأثنى على جهود رئيسها ووزرائها... ومنهم وزراء «الحزب».

وحتما، بعد فترة من الدعم الضمني من «الحزب» لتهجّمات النائب عون على تيار المستقبل، بأحيائه وأمواته، وصلت الرسالة إلى المعسكر الآخر، أي «تجمّع 14 آذار». واليوم ثمة شعور عميق في الشارع اللبناني السني، بالذات، بأن تصعيد عون مستحيل من دون مباركة من حزب الله، وأن «الحزب» قطع شوطا بعيدا في رحلة اللاعودة مع فئة واسعة من اللبنانيين، يصنفها أنها معادية له ومتآمرة عليه. ومن ثم، ضمن هذا الإطار يصبح العلاج بالمسكنات والتمنيات، بانتظار «الحل السحري» من الخارج، مجرد عملية كسب وقت لا أكثر ولا أقل.

في حالة كهذه، يستقوي فيها حزب الله بسلاحه على شارع طائفي مقابل رافض للاستسلام، يقترب لبنان كثيرا من «العرقنة» بكل من تنطوي عليه من انقسام عمودي يستحضر كل عوامل التفجير الإقليمي والدولي إلى البلد بذريعة الدفاع عن النفس أو الإنقاذ.

في الحالتين العراقية واللبنانية، من المفيد للعراقيين واللبنانيين الرافضين الاتعاظ من تجارب الماضي... أن يستوعبوا حقيقة ألا حلول خارجية مجدية حيث التفاهم الوطني متعذّر.

فالحلول الخارجية في الأساس مؤقتة، ثم إنها نابعة من الاعتبارات الخاصة بلاعبيها وليس بأصحاب العلاقة المباشرة. ومهما خلصت نيات الوسطاء فإن المتغيرات واردة دائما.

أما عن الداعمين والواعدين بالدعم، فلهم حسابات أخرى... وأثمان تقبض وتدفع. ولئن اختار السيد نصر الله بالأمس - بطريقته الخاصة - استحضار سياسة هنري كيسنجر فإنه لا هذه السياسة ولا غيرها تختصر استراتيجيات واشنطن وتكتيكاتها. وليس على السيد نصر الله النظر أبعد من فرنسا، التي انتقلت في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي من وضع «الأم الحنون» للبنان... إلى وسيط ملتبس المواقف يموه على الجميع، ويوجه الإشارات المتناقضة بحجة أنه على مسافة واحدة من الجميع.