فرصة الحكومة.. والخيارات الكردية

TT

في ذروة التصعيد التفاوضي حول تشكيل الحكومة العراقية، حاول الأميركيون الوقوف ضد تجديد ولاية الرئيس طالباني، وترتب على ذلك موقف كردي متماسك وصل إلى حد رفض الرئيس لقاء السفير الأميركي، مما جعل الإدارة الأميركية تتراجع عن موقفها بسرعة.و نجح التحالف الوطني في فرض مرشحه لرئاسة الوزراء، وربما أخطأت «العراقية» في طرق تعاطيها. وقد تكون معذورة، لأنها كانت تسير في حقل ألغام حتى داخل حدودها. فبعض النواب من العرب السنة لا يزالون أكثر عرضة للتساقط أمام إغراءات المال والسلطة، خلاف النواب الكرد الذين تصرفوا بانضباط وولاء مسؤولي دولة، وكذلك نواب كتل شيعية.

في لحظة مفاجئة، تحولت قاعة البرلمان إلى حالة من الهرج، احتجاجا على عدم التصويت على إلغاء اجتثاث قيادات في الكتلة العراقية، مما اعتبر خرقا لاتفاق سياسي. وهذا الهرج أعطى انطباعات رمادية عن مدى استعداد أطراف سياسية للإيفاء بالالتزامات التي تفرضها اتفاقات الكتل السياسية قبل الوصول إلى السلطة، خصوصا أن قرارات المجلس الوطني المقرر توليه من قبل علاوي تتطلب حصولها على 80% من أصوات أعضائه لتكون ملزمة. وفي حالات تضارب المصالح - وما أكثرها - يستحيل تأمين هذه النسبة العالية. فيتحول المجلس إلى مؤسسة استشارية لا صلة لها بما روج عن مفهوم تقاسم السلطة. ولا قيمة يعول عليها للتعهدات الأميركية.. فالأميركيون عاجزون.

هناك من يصف الحكومة المرتقبة بحكومة الأمر الواقع. وفي الوضع العراقي فإن حكومة بهذا التوصيف تعتبر مقبولة ومعقولة، إذا ما تصرفت وطنيا، ما دام السياسيون لم يلوحوا باستخدام القوة لفرض أجندتهم.. وهذه نقطة إيجابية تسجل لصالح النظام الجديد. فعلى الرغم من أن التكتلات الفئوية ثلمت المفهوم الديمقراطي الحديث، فإن عدم اللجوء إلى القوة يعتبر نقطة منيرة. الاحتقان السني الكردي خف كثيرا. والضعفاء من العرب السنة شعروا بأن حصر التفكير في أطر مصلحية لا يجدي نفعا، كما ينبغي ركون الأقوياء إلى منطق عقلاني بعدم توافر القدرة على حكم العراق. والمتشددون من الشيعة شعروا باستحالة فرض سيطرة شاملة على الحكم من دون ثمن مرهق. وهذا هو الفهم الممكن لديمقراطية العراق. بيد أن المستقبل يتطلب بذل المزيد من الجهد للانتقال بهذا البلد إلى وضع أفضل. و«الكتلة العراقية» بحاجة ملحة لبناء تقاليد في الوطنية والالتزام والانضباط والتخلص من الشخصنة لهذا وذاك. ومن مصلحتها أن تدرس التجربة الكردية من كل الوجوه والاستفادة منها. وهذا يتطلب أن يكون الشعور الوطني متوازيا مع حركة السياسيين.

توزيع المواقع العليا أصبح من الماضي، وليس مفيدا الخوض في أسباب فشل «العراقية» في الوصول إلى غايتها. فبعض الإخفاق يقع خارج إرادتها، والبعض الآخر كان بسبب أخطاء فادحة فردية وجماعية. وليس معقولا التمسك بنهج لم تثبت جدواه، فمن له مصلحة فردية جامحة فليخرج عن الإجماع ليواجه رأي الناس، بدل إخفاء مصالحه وراء شعارات زائفة.

إن قوة أي طرف ستكون بقدرته على إثبات عدالة قضية شعبية. فلو سلخت الأطماع عددا من «العراقية»، فإنها ستزداد قوة مع تزايد تماسك المتبقي ووضوح تحركاتها. والمطلوب من الحكومة الجديدة أن تقيم العدل وتتصرف وطنيا لا طائفيا، وتبتعد عن سياسات التهميش والإقصاء، وإثبات عدم وجود برامج لتغيير الهوية، وتوزيع الثروة بشكل عادل، وعدم تسييس القضاء والأمن. ومن حقها أن تعطى فرصة معقولة لإثبات المطالب.

وعلى الشريحة التي تشعر بالظلم أن تبحث عن خيارات ديمقراطية تضمن حقوقها وهويتها، وقد لا تجدها إلا في ملفات الكرد، وهي متاحة.