الفرنسيون يندمون

TT

تذكرت فرنسا مرور أربعين عاما على غياب شارل ديغول بأن اختاره الشعب الفرنسي في استفتاء عام، أهم شخصية في تاريخه، متقدما نابليون. ومن شاهد مثلي كيف نزل الفرنسيون إلى شوارع باريس مايو (أيار) 1968 ليطالبوا بسقوط ديغول، وكيف أسقطوه عام 1969, وكيف رفضوا تسمية مطار رواسي باسمه، وكيف سخر منه رسامو الكاريكاتير، وكيف سخرت منه النكات في المسارح، وكيف أسقط الفرنسيون حكومته في الأربعينات.. من يتذكر ذلك كله يدرك أن الشعوب لا ذاكرة لها.

الآن، بعد أربعين عاما على غيابه، تنبه الفرنسيون إلى أن ديغول هو الذي حرر فرنسا من الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية، وهو الذي أنقذها من الفوضى السياسية عام 1958, وهو الذي أنهى عصورها الاستعمارية بالخروج من الجزائر وبقية أفريقيا. وفي المرات الثلاث كانت أكثرية فرنسية تقف ضده. في الحرب مالأت تلك الأكثرية حكومة فيشي المتعاملة مع الألمان. وفي عام 1958 بكى كثيرون فوضى الجمهورية الرابعة. وفي قضية الجزائر هدده الفرنسيون بحرب أهلية، فقبل التحدي على أن يترك الجنون الاستعماري على غاربه.

قامت فلسفة ديغول على أنه مع فرنسا وضد الفرنسيين. واختلف مع رئيس وزرائه جورج بومبيدو عام 1965؛ لأنه قال في اجتماع الحكومة: «الشعب الفرنسي فوضوي، غير منظم، ويحسن بنا أن نقوده». واعترض بومبيدو قائلا: إن كلمة قيادة غير لائقة. فأجاب ديغول: إذا كان التعبير لا يروق لك، فاستخدم الكلمة التي تشاء «لكن لا يمكن أن نترك الأشياء على عواهنها. لا بد من تحديد اتجاه ما».

قلب ديغول علاقات فرنسا من عدائية في السويس ومعتدية في تونس وحليفة لإسرائيل، إلى دولة صديقة للعالم الثالث: «الأمم المتحدة تحبنا لأن العالم الثالث يحبنا». وكان يعتقد أنه لا ينبغي للأمم المتحدة أن تقوم بأي دور عسكري «لأن ذلك سيفضي إلى نتائج سيئة، كل ما تستطيع أن تفعله هو أن تهيئ طاولة نتحاور حولها».

وكان يرفض أن يكون لفرنسا أي نفوذ في الأمم المتحدة: «من الجيد أن تكون في العالم هيئة استشارية، يتشاجر فيها الناس ويتعلمون كيف يعيشون مع بعضهم البعض، أما حكومة عالمية فلا تؤدي إلا إلى الخناقات الدائمة. سياستنا تقوم على الحقائق وليس على الخداع. الأشياء المخادعة لها أسماء، كالحلف الأطلسي، و(القوة متعددة الجنسيات) و(التكامل). هذه محاولات غش في البضاعة، وسياستنا ليست هكذا أبدا». كان يفضل الأمين العام يوثانت على سلفه هامرشولد: «لأنه كان (عالمثالثيا) بالطبيعة لا بالادعاء. رجل على قيمة كبرى، لا هو غربي ولا هو شيوعي. وهو يعتقد أن سيطرة أميركا على الأمم المتحدة إلى زوال، وكذلك انقسام العالم إلى قطبين».