فاتورة باهظة

TT

الانطباع الأولي عن الثمن الذي ستتقاضاه إسرائيل مقابل الموافقة على المقترحات الأميركية الجديدة لوقف الاستيطان لمدة 90 يوما هو أن الفاتورة باهظة، طائرات حربية حديثة بـ3 مليارات دولار مجانا، تعهدات أمنية وسياسية باستخدام الفيتو ضد أي قرار في مجلس الأمن ضد إسرائيل، والأهم أن يكون هذا هو قرار وقف الاستيطان الأخير.

90 يوما لوقف الاستيطان في الضفة الغربية مقابل تسهيل مهمة الفلسطينيين في قبول استئناف التفاوض المباشر، وهي مهلة محدودة للغاية، الاحتمالات كبيرة أن تنتهي بلا شيء في النهاية كما حدث في مرات سابقة، فالقضايا المطروحة شديدة التعقيد والحساسية، وإذا انتهت بالشيء يكون الفلسطينيون خرجوا صفر اليدين بينما حصلت إسرائيل على سلاح متطور ومساعدات سياسية وأمنية جديدة.

رغم ذلك فإن اليمين الإسرائيلي يعتبر العرض الأميركي صفقة خاسرة، فالاستيطان أهم كما يبدو بالنسبة له من السلام، بينما الجانب الفلسطيني الذي يعد رده الرسمي في موقف صعب، لأنه ليس لديه بديل عملي واضح الملامح.

وهنا بيت القصيد، فالأهم بالنسبة إلى الجانب الفلسطيني فيما يتعلق برده على العرض الأميركي أن يكون لديه رؤية واضحة بالنسبة لما يريده واقعيا من التفاوض، وخطة عملية للوصول إلى أهدافه وكيفية التعامل بمهارة مع العقبات التي تظهر في الطريق، والتي يبدو فيها حتى الآن كطرف متلق لما تأتي به إسرائيل من مفاجآت، والبدائل (المسؤولة) المتاحة في حالة إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود، والمقصود بالبدائل المسؤولة الكف عن الحديث عن حل السلطة أو الاستقالات، لأن ذلك لن ينتج عنه سوى فراغ يعيد القضية الفلسطينية عقودا إلى الوراء.

وإذا أخذنا مسألة الاستيطان التي تبدو كورقة يستخدمها السياسيون الإسرائيليون كل فترة لعرقلة المفاوضات في ضوء معرفتهم برد الفعل الفلسطيني والعربي المتوقع، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يؤدي وقف التفاوض إلى وقف الاستيطان، والإجابة ستكون قطعا لا، فيكون السؤال اللاحق هو هل هناك وسيلة للمناورة حول هذا الموضوع باعتبار أن قضية الحدود النهائية تجب مسألة المستوطنات، وهل هناك إمكانية لتحييد هذا الموضوع بحيث لا يكون قرار تجميد مؤقت للاستيطان بمثل هذه الفاتورة الباهظة.

قد يكون هذا غير شعبي أو خارج الإطار السياسي الذي التزمت به السلطة الفلسطينية ومن ورائها لجنة المتابعة العربية التي توفر لها غطاء عربيا، لكن في أزمات مصيرية أو مفارق طرق تاريخية هناك تجارب وأمثلة كثيرة تظهر أن الحلول تأتي عادة عندما يجري التفكير خارج الصندوق، أي خارج الإطار النمطي المعتاد عليه.

طبيعي أن تعرقل إسرائيل وتتعنت وتسعى للحصول من الراعي الأميركي للمفاوضات على أعلى ثمن ولو على حساب الفلسطينيين، لذلك يجب أن يسأل الجانب الفلسطيني أيضا عن فاتورته هو الآخر، والضمانات التي ستمنح له بأن فترة الـ90 يوما هذه لن تكون عبثا أو استهلاكا للوقت، إذا وافق على المقترحات الأميركية الجديدة مع رؤية واضحة بأن الهدف النهائي هو دولة بحدود واضحة مضمونة دوليا. وفي النهاية يجب أن يكون القرار فلسطينيا خالصا يخضع لرؤية الجانب الفلسطيني لمصالحه وقراره المستقل.