حج مبرور

TT

حتى لا نقع أسرى لفتاوى عمل المرأة بمهنة الكاشير، وحكم الاختلاط وتفريق الأزواج لعدم كفاءة النسب وغيرها من الفتاوى الجدلية والمثيرة للضحك في بعض الأحيان، لا بد من الإشادة بالتطور الإفتائي الذي حصل في مناسك الحج في السنوات الأخيرة واتساع الأفق وتقديم فقه المقاصد على التفسير النصي المحدود والقاصر والذي تسبب في أزمات وكوارث وتضييق على العباد أدى في بعض الأحيان إلى إزهاق الأرواح.

فالمتابع الموضوعي والمنصف يرى أن السلطات السعودية توسعت بأخذ الآراء الفقهية الميسرة للمناسك والتي أتاحت اللجوء لفكرة التعدد في الآراء بحسب مذاهب الفقه الأربعة بحسب فكرة أهل السنة والجماعة؛ فرأينا الاتساع في مسألة الرمي قبل الزوال وهو ما أتاح للكثيرين أن يتيسروا في مناسكهم ويؤدوها فيخف الزحام وتقل المشاكل الناتجة عن هذا الزحام (الحجاج القادمون من الهند والعراق ومصر وسورية وتركيا يتبعون مذهب الإمام أبو حنيفة النعمان وفي مذهب الأحناف جواز صريح للرمي قبل الزوال). ونجاح هذه المسألة شجع السلطات في التوسع في تسهيل مسائل الحج ومناسكه، فتم رفع شاهد الرمي بحيث يمكن «الرمي» من فوق أدوار بنيت للمشاة على جسور بدلا من حصرها كما كانت عليه قديما والتي كانت تزيد من فرص الازدحام والتكديس وبالتالي تكون إمكانيات الخطر والحوادث واردة وبقوة، وهو نفس الفكر الذي لجأت إليه السلطات السعودية في توسيع المسعى لاستيعاب الحجاج والمعتمرين بأعداد أكبر من دون التعرض للخطر والمضايقة والأذى.

إن هذه الشواهد وغيرها دليل وعي وإدراك وخروج من عصر الجمود والتشدد في الفتاوى الخاصة بمناسك الحج والاعتماد على ما فيه الصالح العام وتيسير شأن المسلمين وضيوف الرحمن. ولقد انعكست هذه الروح الإيجابية والمتجددة على نوعية التجهيزات الني تقدمها الدولة السعودية للحجاج، فقامت بتطوير نوعيات الخدمات الطبية لتتلاءم مع الحالات الطارئة وقدمت وسائل تنقل خفيفة وسريعة كالطائرات العمودية والدراجات النارية للوصول إلى أصعب الأماكن في أسرع وقت، وكذلك حصل الأمر في التجهيزات المرورية بعد إلغاء كافة أشكال السيارات الصغيرة والمتوسطة واعتماد فقط حافلات الركاب سعة 27 راكبا وما فوق، وهو ما قضى على إشكاليات الازدحام الحاصل دوما نتاج السيارات الصغيرة وكذلك الأمر بالنسبة إلى استحداث وسيلة التنقل بالقطار بين المشاعر، وهو إضافة مهمة، مع عدم إغفال التطوير الذي حصل في البنية التحتية لبعض الشوارع والجسور والأنفاق لتحسين قدرات الحركة والحفاظ على معدلات انسيابية الحركة المرورية دون مفاجآت غير سارة، ويضاف لذلك التطوير الملحوظ في آليات الدفاع المدني وتطوير جاهزية الأفراد في التعامل مع الحشود والمواقع المزدحمة، وهي دروس استفاد منها الدفاع المدني من تعامله في السنوات الأخيرة مع كوارث طبيعية مختلفة.

كل هذه الملاحظات هي نتاج الخبرة التراكمية وتوظيف النصيحة المدروسة والاستفادة القصوى من التقنية التي يشرف عليها الأمير نايف بن عبد العزيز الذي بات مهندسا لنجاحات خطط الحج السنوية، وليس أدل على هذا من تحسن المواسم سنويا والاستفادة من كل موسم مضى والعمل على تفادى السلبيات بشكل دقيق. إنه تحد إداري استثنائي تنجح السعودية في مواجهته سنويا وتعمل على تطوير قدراتها بشكل بات محل تقدير الكثيرين، وتمكنها من زيادة حجاج الخارج لهذه السنة بنسبة 11% يؤكد أن نهجها سليم وتبارك عليه.

نسأل الله أن يتم الحج على ضيوفه وعباده بالخير والرضا، وأن يعيد عيد الأضحى على الجميع بكل خير ويسر وسعادة.

[email protected]