استراتيجية تحوط تجاه الصين

TT

سنغافورة: منذ عامين كان باراك أوباما رجلا خارقا. والآن لا يمكنه فعل أي شيء صحيح. وقد وصفت زيارته إلى آسيا بالفاشلة، لأنه لم يتوصل إلى صفقة تجارية مع كوريا الجنوبية أو ينجح في إقناع الصين بتخفيض قيمة عملتها. ولكن الزيارة كانت لها أهداف أوسع، ونجحت إلى حد كبير في تحقيق هذه الأهداف، على الرغم من أن هذه الزيارة مجرد بداية لمجموعة معقدة من السياسات الخارجية التي سوف تشكل جوهر استراتيجية أميركية كبرى جديدة.

وبالنسبة للتقارير السلبية، يجب أن يلوم أوباما نفسه فقط. وبسبب الإلحاح المؤكد من قبل مستشاريه السياسيين، طرح أوباما زيارته إلى آسيا، على أنها تركز على الوظائف أولا وأخيرا. وإذا كان الرئيس يقوم حقا برحلة تجارية، فمن المؤكد أن هناك شخصا قد أرسله إلى الأماكن الخاطئة. وكانت اليابان فقط، إحدى الدول التي زارها، من بين أكبر ست وجهات للصادرات الأميركية. وكان بمقدور أوباما أن يوفر الكثير من الوقود وأن يسافر إلى كندا والمكسيك، اللتين تشتريان معا 20 ضعفا من السلع والخدمات الأميركية التي تشتريها الهند، و10 أضعاف ما تشتريه كوريا الجنوبية. (ولا تدخل إندونيسيا حتى ضمن أكبر 20 دولة تشتري الصادرات الأميركية).

وفي الحقيقة، كان أوباما يتخذ الخطوة الافتتاحية للولايات المتحدة في لعبة القوى العظمى الجديدة التي تكشفت في آسيا، عبر قيامه بهذه الرحلة إلى الهند واليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا. وحتى الآن، يتم الحديث عن صعود الصين بشكل إضافي، كفكرة تجريدية غامضة. ولكن الأحداث التي جرت على مدار الأشهر القليلة الماضية جعلت صعود الصين ملموسا في أعين الكثير من الآسيويين الذين يراقبون كيف ستتفاعل الولايات المتحدة مع هذا الأمر.

ورد الفعل الصحيح لا يكمن في سياسة الاحتواء. ويتم إجراء مقارنة سهلة جدا بين رد الفعل الأميركي تجاه الاتحاد السوفياتي وسياسة واشنطن تجاه الصين.

وكان الاتحاد السوفياتي خصما عالميا عدوانيا، حيث كان يهدد الدول الغربية والحلفاء ويدعم الحروب وحركات العصابات ويمول الخصوم والجماعات الإرهابية، التي كانت تهدف كلها لزعزعة المصالح الغربية. وقدم الاتحاد السوفياتي نفسه كنموذج بديل للدول في كل أنحاء العالم. وعلى الرغم من أنه كان يملك اقتصادا يعتبر كسرا، مقارنة بحجم الاقتصاد الأميركي، فقد بنى الكرملين مؤسسة عسكرية ضخمة لديها عشرات الآلاف من الأسلحة النووية.

والصين، على النقيض من ذلك، فقد اختارت الدخول في النظام العالمي الذي يرعاه الغرب والمشاركة في النظام التجاري العالمي والمحافظة إلى حد بعيد على علاقات تعاون مع الغرب. واقتصاد الصين والولايات المتحدة يرتبطان بروابط وثيقة، ومهما كانت الخلافات بين بكين وواشنطن، فمن المهم وضعها في منظورها الصحيح. والخلافات بينهما بشأن العملة والتجارة، أقل حدة من تلك التي بين الولايات المتحدة واليابان في أواخر ثمانينات وأوائل تسعينات القرن الماضي، فلا تخلق حربا باردة.

والدول الآسيوية لا تبحث عن الولايات المتحدة لتبرم معها اتفاقات عسكرية مناهضة للصين على غرار ما كان يحدث خلال الحرب الباردة. وبالنسبة لمعظم هذه الدول، فإن الصين هي شريكهم الاقتصادي الأكبر، فهم يقبلون المساعدات والقروض التي تقدمها لهم، على الرغم وجود بعض الخلافات السياسية الرئيسية بينهم. وبالنسبة لكل هذا الغضب من موقف الصين الصارم تجاه اليابان، بسبب الحادث الذي وقع مؤخرا في بحر الصين الشرقي، فإن أيا من المسؤولين الآسيويين، الذين تحدثت معهم يعتقد أن هناك أي مقارنة بينها والاحتواء. وفي الواقع، فإن الجميع يأمل أن تستخدم علاقة الولايات المتحدة الوثيقة مع الصين، لجعل سلوكها أكثر اعتدالا. وقد أدرك توم دونيلون، مستشار الأمن القومي الجديد، ذلك حقا عندما قال الأسبوع الماضي: «إن المنطقة تتطلع إلى الولايات المتحدة فيما يتعلق بالصين، للدخول في علاقة إيجابية بناءة مع الصين».

أقترح تبني الولايات المتحدة استراتيجية تحوط تجاه الصين، فالكثير من صناديق الاستثمار تشتري الأسهم، أملا في ارتفاع قيمتها، لكنهم في الوقت ذاته يراهنون ضد بعض الشركات (أو الأدوات المالية الأخرى) كنوع من الضمان في حال تراجعت السوق. وبالمثل، يجب على الولايات المتحدة الحفاظ على علاقة وثيقة ومنتجة مع الصين، أملا في أن يعمل ذلك على ضمان آسيا آمنة ومزدهرة. بيد أنه إذا أصبحت نهضة الصين عامل تهديد وعدم استقرار، فإنه يجب أن تكون لدى الولايات المتحدة تحالفات قوية فاعلة مع القوى الآسيوية الأخرى مثل اليابان والهند، وهو ما سعت رحلة أوباما إلى تحقيقه، لبناء تحالفات لموازنة التوسعية الصينية.

يجب أن تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية انحياز طويل الأمد، مثل صناديق التحوط، وهو ما يعني أن تؤكد بصورة أكبر على جهود التواصل مع الصين، لأنها الاستراتيجية الأكثر تفضيلا (والأقل تكلفة)، مقارنة بالدخول في حرب باردة طويلة جديدة، مما يتوقع معه أن يكون قريبا أكبر قوة اقتصادية في العالم.

* خدمة «واشنطن بوست»