اسم رمسيس الثالث شمال السعودية.. لماذا؟

TT

أعلن عن كشف جديد تم في شمال السعودية سوف يؤدي بكل تأكيد إلى إعادة كتابة تاريخ العلاقة بين مصر الفرعونية وجزيرة العرب. فقد أعلن الدكتور علي إبراهيم الغبان، نائب رئيس الآثار والمتاحف في الهيئة العامة للآثار والسياحة، في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عن اكتشاف كتابات هيروغليفية في شمال السعودية. الكتابات التي تتكون من خرطوشين يتضمنان اسمين للملك رمسيس الثالث، تم العثور عليهما قبل أربعة أشهر فوق صخرة ثابتة بالقرب من واحة تيماء. الاسم الأول «وزر معات رع مري آمون» أي «رع قوي في الحقيقة، محبوب آمون» والاسم الثاني «رع مسس حكا عيونو» بمعنى «رمسيس حاكم عين شمس». وكان قد سبق العثور على خراطيش لهذا الملك، منقوشة على جانبي طول الطريق الذي يربط شبه جزيرة سيناء المصرية بتيماء وشمال الحجاز السعودية.

لمح الدكتور الغبان إلى وجود علاقة بين اسم رمسيس في تيماء وقوافل التجارة التي كانت تستخدم الطريق الذي عثر فيه على الخراطيش، حيث كانت تذهب إلى تيماء للتزود بالبضائع الثمينة التي اشتهرت بها أرض مدين. كما اعتبر الدكتور زاهي حواس، أمين المجلس الأعلى للآثار المصرية، أن وجود أسماء رمسيس الثالث في شمال السعودية شيء طبيعي «‏خاصة أن مصر في عصر الرعامسة، رمسيس الثاني والثالث، أرسلت بعثاتها إلى دول سورية وفلسطين والعراق،‏ وقد سبق أن تم اكتشاف آثار مصرية باليمن‏». (الأهرام 8/11/2010)‏ لكنني أعتقد أن هذا الأمر ليست له علاقة بالبعثات التجارية، وله دلالة أخرى. فرغم العثور على آثار مصرية في أماكن عديدة من الجزيرة العربية وبلدان الهلال الخصيب والأناضول، بل وفي بعض الدول الأوروبية، لم يتم العثور على أي خرطوش لملك مصري منقوش على موقع ثابت في أي مكان خارج الحدود المصرية إلا في حالتين فقط: أن يكون الملك نفسه قام بزيارة الموقع، أو أن تكون السلطات المصرية قد اعتبرت هذا الموقع تابعا لها.

تقع تيماء في مسطح منخفض تحيط به الجبال، في أرض مدين القديمة شمال غربي المملكة السعودية، على بعد نحو 200 كم شرق تبوك و400 كم شمال المدينة المنورة. وتقول أقدم المصادر التاريخية والجغرافية التي ترجع إلى بداية العصر المسيحي، إن اسم «مدين» كان يطلق على مدينة تقع في شمال الجزيرة العربية شرق خليج العقبة، كما جاء ذكر مدين في كتابات ابن اسحق الذي قال إن الرسول أرسل حملة إلى هناك بقيادة زيد بن حارثة، وذكر هذه المدينة أيضا بعض الشعراء العرب الذين قالوا إنها كانت موطنا للرهبان. وهذا أيضا هو ما ذكره محمد بن الحنفية - ابن علي بن أبي طالب - وكان قد زارها وهو في طريقه إلى بلاد الشام، حيث كانت مدين تعتبر من المحطات التي يستريح فيها المسافرون. ويبدو أن مدينة مدين هذه كانت هي كل ما تبقى من أرض مدين القديمة، فهناك من المصادر ما يشير إلى أن اسم مدين كان في البداية يدل على كل المنطقة الواقعة شرقي خليج العقبة في شمال الحجاز، ويمتد غربا ليشمل شرق وجنوب شبه جزيرة سيناء.

ولأنها كانت مركزا هاما لعبادة القمر، تحولت تيماء لفترة قصيرة خلال القرن السادس قبل الميلاد، إلى عاصمة لنبونيدس آخر ملوك الإمبراطورية البابلية. كان نبونيدس مهتما بالمسائل الدينية والروحية أكثر من اهتمامه بالقضايا السياسية والمعارك الحربية، فسار بنفسه على رأس جيشه إلى جنوب الأردن، ومنها إلى شمال السعودية. ووصل الملك البابلي إلى مدينة تيماء فقتل ملكها ثم بنى لنفسه قصرا في الواحة ونقل إليه مقره الملكي وأقام به معظم أيام حكمه.

وغالبية ما نعرفه عن التجارة القادمة من جنوب الجزيرة العربية، يأتي عن طريق الكتابات والروايات الكلاسيكية القديمة. كانت المواد الرئيسية لهذه التجارة تعتمد على البخور الذي يوجد بين حضرموت وعسير وصمغ المر الذي يخرج من شجرة اللبان (العلك). كان البخور ينقل من مأرب في اليمن شمالا إلى نجران، ومنها إلى البتراء وغزة. وتتحدث المصادر المصرية القديمة عن أرض مقدسة في الجنوب، اعتبرها المصريون موطنا للآلهة وأطلقوا عليها اسم «بلاد بونت». وكان المصريون يرسلون بعثاتهم التجارية منذ عصر بناة الأهرامات، لجلب البخور واللبان الذي يستخدمونه في طقوس الصلاة بمعابدهم. واختلف الباحثون في تحديدهم لموقع بلاد بونت، بين الساحل الجنوبي للجزيرة العربية والساحل الأفريقي من السودان إلى الصومال. إلا أن الدكتور بورخارد عضو المعهد الألماني للآثار باليمن، استنتج أن المنطقة التي جاء ذكرها في المصادر المصرية القديمة باسم «بونت»، كانت في الواقع تشمل الساحل اليمني والسعودي إلى جانب إثيوبيا والصومال.

أما رمسيس الثالث فهو ثاني ملوك الأسرة العشرين، وآخر الملوك العظام الذين حكموا مصر القديمة. استمر حكمه 31 سنة في النصف الأول من القرن الثاني عشر قبل الميلاد. وفي العام الثامن لحكم رمسيس الثالث تعرض الساحل الشرقي للبحر المتوسط لموجة عارمة من الغزاة عرفوا باسم أقوام البحر. فقد خرجت بعض الأقوام الإغريقية التي تعرضت بلدانها للدمار نتيجة للزلازل والبراكين، بحثا عن موطن جديد لها في الشرق الأدنى. جاء عشرات الآلاف من المقاتلين بسفنهم ومراكبهم، من بينهم قبائل ذكار وشكليش ودانو ووش وش والفيليست. أمام هذه الهجمات انهارت إمبراطورية الحيثيين في آسيا الصغرى، كما استولى أقوام البحر على شمال سورية وكانت قبائل الـفيليست (فلسط) العنصر الغالب من الأقوام التي نزلت بأرض كنعان، وهي التي أعطت اسمها بعد ذلك لهذه البلاد (فلسطين). وربما يدل وجود اسم رمسيس في تيماء دلالة على تحرك المصريين جنوبا إلى الجزيرة العربية لتدعيم مركزهم في هذه المنطقة أمام هجمات المهاجرين الجدد في كنعان، حيث بدأ النفوذ المصري في كنعان يتلاشى تدريجيا منذ ذلك الحين، وانتهى تماما مع نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد.