فرصة مصالحة المغرب بالجزائر

TT

صحيح أن أحداث العيون كانت مواجهات دامية، رافقتها حرب كلامية بين الجزائر والمغرب، وصادفت الصدامات بدء مفاوضات نيويورك لمعالجة نزاع الصحراء الغربية. إنها أزمة وفرصة أيضا لإصلاح أقدم النزاعات العربية - العربية وأكبرها.

على مدى عقود الصراع الماضية يندر أن تجد من يصدق أن الصحراء المتنازع عليها ليست إلا مشكلة بين البلدين، المغرب والجزائر. الصحراء الغربية هي الأرض الوحيدة، عدا عن فلسطين، يتنازعها فريقان، الجزائر تريدها دولة مستقلة والمغرب يريدها ضمن حدوده. هنا يمكن أن نفهم طبيعة الاختلاف بين الجارتين، المغرب والجزائر، ونفهم لماذا لم تحقق حركة البوليساريو، أي نجاح في العالم العربي كقضية رأي عام أبدا، ولا يوجد في الضمير العربي أيضا شيء اسمه قضية صحراء، فقد مل العرب من النزاعات العربية.

المغرب يضم معظم الصحراء منذ تحريرها منذ أكثر من ثلاثة عقود، لكنه عمليا فشل في دمجها في نظامه الإداري والسياسي بسبب خلافه مع الجزائر. والجزائر أيضا فشلت في تحويل هذه الصحراء إلى دولة رغم أنها قضيتها شبه الأولى. الجزائريون الذين مروا بهزات سياسية وتغير العالم من حولهم ظلت رؤيتهم حيال المغرب أنه بلد منافس. لكن القواسم كثيرة بين البلدين عدا عن الجوار واللغة والدين، فالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عاش في المغرب ردحا من عمره. وفي نفس الوقت ملفات الخلاف تزداد، هناك قضايا المعابر الحدودية، وممر أنبوب الغاز، والجماعات الأصولية، إضافة إلى التنافس المغاربي الذي لعبت عليه أطراف أخرى.

على مدى ثلاثين سنة أنفق الجزائريون الكثير من الجهد حتى حصلوا على اعتراف عدد من الدول بالدولة الصحراوية، لكنها اعترافات ليست بذات قيمة في المحيط العربي أو الدولي. وإلى اليوم لا توجد حكومات عربية أساسية راغبة في ربط اسمها بالاعتراف بدولة صحراوية دبلوماسيا ولا مساندة إقامتها.

لا أدري أسباب إخفاق المغاربة في تنقية العلاقة بينهم وبين الجزائر مع أن الظروف كانت مهيأة في السنوات القليلة الماضية، ولا أفهم لماذا ظل الجزائريون يوصدون الباب أمام المغرب. من دون مصالحة صادقة بين البلدين لن تحل مشكلة الصحراء مهما حاولت الأمم المتحدة ومبعوثو المنظمات الأخرى؛ فالمفتاح يكمن في العاصمتين وليس في نيويورك، خاصة أن المغرب قدم تنازلات جديدة آخرها موافقته على الحكم الذاتي لأهل الصحراء ضمن المملكة المغربية، ربما تستحق من الجزائر أن تنظر إليها كتطور إيجابي.

هناك من يعتقد أن الجزائر لا تزال تعيش عقلية الحرب الباردة، التي جعلت من البلدين خصمين، إلا أنني أرى المسألة تعكس فشل الدبلوماسية بين البلدين اللذين حاولا مرة واحدة التعاون عبر الاتحاد المغاربي الذي لم يدم طويلا. الفشل انعكس على البلدين سلبا بشكل لا مثيل له حتى في العلاقات العربية - العربية المزاجية والمتوترة دائما. فالحدود البرية مغلقة بين البلدين لأكثر من ثلاثين عاما، إلا من فترات سماح وجيزة. هذه العقلية المتصلبة عند البلدين لا نعرفها في الشرق رغم كثرة صراعات الدول العربية المشرقية، فالحدود تفتح وتغلق لكنها لا تدوم مغلقة طويلا.