لهذه الأسباب لن تندلع الفتنة في لبنان

TT

مهما ارتفعت نبرة التهويل والتهديد وتنوعت أساليب الضغط على رئيسي الجمهورية والوزراء، فإن الفتنة لن تندلع بين الطوائف في لبنان. والحرب الأهلية لن تتجدد. وهذه ليست مجرد أمنية أو رجاء، بل لأن هناك أسبابا داخلية وإقليمية ودولية تحول دون ذلك بل تؤكد عقمه.

أولا، لأن تسعين في المائة من اللبنانيين، إن لم نقل جميعهم، يرفضون الفتنة الطائفية أو المذهبية، والعودة إلى حرب أهلية جديدة، مهما كانت الدوافع والدافعون.

ثانيا: لأن الفتنة أو التقاتل أو الحرب، لكي تندلع، لا بد من وجود طرفين مسلحين، أو أكثر، وهذا غير قائم في لبنان، اليوم، كما كان عليه الأمر عام 1975. بل السلاح موجود بين يدي فريق مذهبي واحد من سبعة عشر مذهبا.

ثالثا: لأن الجيش اللبناني (60 ألفا) وقوى الأمن الداخلي (20 ألفا) لن يقفا مكتوفي الأيدي أو يلتزما الحياد إزاء واجبهم الأول ألا وهو حماية المواطنين من اجتياحات مسلحة لمناطقهم ومنازلهم، سواء كانت داخلية أو خارجية.

رابعا: لأن الدول العربية، والسعودية ومصر خصوصا، بالإضافة إلى الدول الكبرى ومجلس الأمن لن تترك الحكومة اللبنانية الشرعية تسقط، وقوات مسلحة تابعة لإيران تستولي على السلطة في لبنان. وعلى افتراض أن «سلطة الأمر الواقع» رفضت تنفيذ القرارات الدولية التي تدينها وسحبت قوات الأمم المتحدة من الجنوب، فإن اجتياحا إسرائيليا جديدا للبنان سيكون الرد المنطقي المحتمل على استيلاء حزب الله وإيران على الحكم في لبنان.. وإزاء «تطنيش» المجتمع الدولي ومعظم الدول العربية عن ذلك.

إن قيادة حزب الله ورعاته وحلفاءه، قد توصلوا، ولا ريب، في تفكيرهم وتحليلاتهم وحساباتهم، المعروفة بدقتها، إلى مثل هذه الاستنتاجات، وإنهم لن يقوموا بخطوة عسكرية جنونية للإطاحة بالحكومة اللبنانية الشرعية بقوة السلاح، أو إشعال حرب أهلية جديدة في لبنان، وإنهم سوف يكتفون بالضغط والتهويل واختلاق الأزمات وإثارة القضايا الثانوية وتعطيل عمل مجلس الوزراء.. ولكن إلى أي حد سياسي سيصلون، وما هي المكاسب الجديدة التي يسعون إلى تحقيقها.. دون الاستيلاء على الحكم؟

الهدف المعلن هو تعطيل أو إلغاء المحكمة الدولية الناظرة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والوزراء والنواب والضباط والإعلاميين الذين اغتيلوا في السنوات الأخيرة... بحجة أنها «محكمة مسيسة وخاضعة لتوجيه إسرائيل والولايات المتحدة» وأن «التحقيق متجه نحو إدانة بعض أفراد تابعين لحزب الله». وعبثا يقال لهم، من أعلى منبر دولي إلى أبسط مواطن لبناني، إن التحقيق سري ولا أحد غير المحقق الدولي يعرف مضمونه واتجاهه، وأن القرار الاتهامي لا يعني الإدانة بل أن المحكمة هي التي تدين أو تبرئ، وأن الحكومة اللبنانية ليس لها أي حق أو سلطة على المحكمة الدولية بعد أن أصبح ملف القضية في يدها. وأن كل اللبنانيين سوف يقفون مع الحزب إذا كان القرار الاتهامي ركيكا أو مغرضا أو غير مستند إلى وقائع وأدلة ثابتة.. وأن لا داعي للتخوف من القرار أو المحاكمة إذا كان الحزب وقياداته بريئا من دم الرئيس الحريري والشخصيات الأخرى...

إننا نكتب هذا المقال غداة ارتفاع درجة أزمة ما سمي بـ«شهود الزور» ومقاطعة شخصيات «8 آذار» لطاولة الحوار، وقبيل انعقاد مجلس الوزراء الذي سيبت في هذه القضية. ولكن مهما آلت إليه جلسة مجلس الوزراء أو الأمور حول طاولة الحوار، فإن على حزب الله وفريق «8 آذار» أن يدركا أن إلغاء المحكمة الدولية أو تعطيلها ليس في يد الرئيس الحريري أو الحكومة اللبنانية... وأن اللبنانيين يرفضون الفتنة.. وأن اجتياح لبنان عسكريا أو إسقاط الحكومة اللبنانية في الشارع، ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، وأن بين طلب المستحيل والاستسلام للأمر الواقع هناك طريق ثالث ألا وهو: الحوار الوطني الهادئ والمسؤول، من أجل معالجة الأمور بالحسنى ومنع الفتنة، أيا كان محتوى القرار الاتهامي.

أدهى ما في أمر هذه الحرب الكلامية المشتعلة في لبنان، وأوفرها إيغالا في العبثية المجانية هو احتمال صدور القرار الاتهامي وليس فيه أي إدانة أو حتى ذكر لحزب الله؟!

وبين القرار المجهول والفتنة المرفوضة والمشروع السياسي المستحيل، يعيش اللبنانيون في قلق، إن لم نقل في قرف من السياسة وما جلبته لهم من مصائب.