قاتل الله النسيان

TT

من المعروف أن سوق التمثيليات والمسلسلات يزدهر في الدول العربية في شهر رمضان، لهذا يزداد الطلب على بعض الكتاب من قبل منتجي هذا النشاط.

وبطل هذه الحادثة كاتب أعرفه، وهو (يترزق الله) في هذا المضمار، وقد حكى لي هذه الواقعة التي حدثت له عندما كان يركب القطار من سكناه في إحدى البلدات الأوروبية للذهاب لبلدة أخرى قريبة ومجاورة، وإذا به يجلس بمواجهة رجل بدا مألوفا لديه.

ويقول عنه: لقد تعرف الرجل عليّ فورا وقال لي: يا لها من صدفة عجيبة، ولا أدري إلى ماذا أعزوها، هل هي توارد خواطر؟!، هل تصدق بالله أننا كنا في الليلة البارحة نتكلم في سيرتك، وفكرت بالبحث عنك ولكن الله جابك.

حاولت بشتى الوسائل أن أتذكره دون جدوى، وخجلت أن أسأله عن اسمه، فاضطررت أن أقول له مجاملا: وأنا أيضا كنت أنوي الاتصال بك، إنني من أول ما شاهدتك حتى عرفتك وحمدت ربي على هذا اللقاء العفوي.

قال: لقد كنا نتحدث بصدد عمل كبير للموسم القادم وهو يقع في ثلاثين حلقة، وقد رصدنا لذلك ميزانية كبيرة، وطرح اسمك لتكتب لنا هذا العمل وتقوم (بالسيناريو) لقاء مبلغ مقطوع هو (.........)، مع نسبة (10%) من الأرباح، هذا طبعا إذا تمت موافقتك، وعلى العموم الموضوع قابل للأخذ والرد والمناقشة.

عندها زاد قدحي لزناد فكري، وساءلت نفسي: هل يا ترى كان زميلا لي في المدرسة وغاب عن ذهني هذا؟!، ولكي أجرجره بالكلام على أمل أن أمسك بطرف الخيط الذي يقودني إلى معرفته دون أن أسأله عن اسمه.

فقلت له: يبدو أن شركة الإنتاج لديكم ناجحة.

فأجابني سريعا، بل إنها أكثر من ناجحة، إنها بالفعل عظيمة.

فسألته على أمل أن أعرف عنوان الشركة واسمها قائلا: ألا تزال مكاتبكم في نفس المبنى؟!، رد عليّ قائلا: إنها في نفس المكان.

فأسقط في يدي محاولا بجنون أن أتذكر إذا كنت قد سهرت معه في أحد المرابع يوما، أو سبحت معه في أحد الشواطئ، أو أكلت معه في أحد المطاعم، أو خبصت معه تخبيصة غير مشرفة.

فسألته وكأنني أستجديه: ألم تر أحدا من الشلة القديمة؟!

قال: لا، إنني لم أر أحدا منذ أن نقلنا مكاتبنا الرئيسية إلى بيروت، أما مكتبنا القديم فهو ما زال في مكانه الذي تعرفه، والمراسلات تأتيني عليه وأنا دائم الاتصال بموظفيه. قلت له: يبدو أنك كثير السفر.

قال: أبدا ولكنني حضرت إلى هذه البلدة لعدة أيام لبعض المشتريات الخاصة، ولكن خلينا في الموضوع المهم، وهو عرضي عليك أن تتعاون معنا في ذلك المسلسل، الذي أجزم أنه سوف (يكسر السوق)، خصوصا إذا سكبت به أنت موهبتك التي أثق بها، وعلى العموم بمجرد أن توقع العقد معنا سوف ندفع لك مقدما مبلغا محترما يرضيك.

وفي المحطة شد على يدي بحرارة قائلا: إنني سوف أسافر بعد خمسة أيام، فأرجو أن تتصل بي.

سألته في يأس: وأين أتصل بك؟!، فصاح وهو يندفع نحو التاكسي: في نفس المكان.

عندها تنهد قائلا: هل تصدق أنني بعد ذلك أخذت أركب القطار كل يوم صباحا وفي نفس الموعد لمدة أربعة أيام متوالية على أمل أن ألقاه مرة ثانية ولكن ذلك لم يحصل، فاضطررت للمغادرة، وضاعت مني تلك الفرصة الذهبية بسبب نسياني للأسماء، وبسبب كبريائي وعدم الاعتراف بذلك، فعلا إنها أشياء صغيرة من الممكن أن تحطم رجلا.

أجبته دون أي تأثر أو اكتراث قائلا له بالفم المليان: تستاهل.

[email protected]