هدايا الرئيس الفلسطيني

TT

مقابل تسعين يوما لتجميد البناء أهدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس إسرائيل 20 طائرة مقاتلة، ووهبها 20 مليار دولار، وفتح شهية المتبرعين اليهود في أنحاء العالم لدعم بناء المزيد من المنازل والشقق في الضفة الغربية والقدس المحتلة.

من إنجازات الرئيس عباس أيضا أنه ألحق هزيمة بحزب أوباما في الانتخابات الأخيرة التي خسر فيها الحزب الديمقراطي تأييد اليهود الأميركيين؛ حيث فرت أصواتهم وأموالهم هاربة لصالح الحزب المنافس الجمهوري بسبب ما اعتبروه مواقف أوباما المتشددة ضد إسرائيل، أيضا لا أنسى أن أسجل أن ضغوط عباس ولدت عند الرئيس الأميركي باراك أوباما عقدة ذنب تجاه إسرائيل.

ومن أجل ماذا؟ السبب لم يكن استرداد الضفة الغربية أو تخليص القدس المحتلة، ولا حتى إرجاع بضعة ألوف من اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم. كل المعركة التي حارب من أجلها عباس نتنياهو: الإصرار على تجميد بناء بيوت وشقق استيطانية!

لولا شرط التجميد، ربما ما حصل الإسرائيليون على شيء من هذا كله. لقد وقع الجانب الفلسطيني ضحية الوهم الكبير بأن إيقاف الاستيطان مكسب، في حين أنه لم يتعد كونه خسارة مبكرة. فالاستيطان، مثل الاحتلال، كله في أصله باطل ولا شرعية دولية له.

وإذا أردتم درسا في الدهاء فانظروا إلى ما فعله نتنياهو، لقد حول المشكلة إلى تجارة مربحة. فالذي حدث منذ أن تمسك الرئيس الفلسطيني بشرط منع البناء الاستيطاني أنه أهدى نتنياهو أربعة مكاسب ثمينة: أعفى نتنياهو من المفاوضات التي كان يتحاشاها أصلا بسبب طبيعة حكومته الأصولية، فهو رئيس حكومة لائتلاف من المتطرفين وستنهار عند التفاوض. وللتذكير فقد كان الهدف في البداية الضغط عليه من أجل إجباره على التفاوض.

والمكسب الثاني: أشغل عباس الأميركيين في أهم عامين يدا الرئيس الأميركي فيهما شبه طليقتين. تبددا في شرط فرعي، أما الآن فقد دخل أوباما البيات الشتوي الرئاسي بسبب هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات.

والثالث: تسليط الضوء شجع القوى اليهودية المتطرفة على دعم الاستيطان بقوة؛ حيث تحول إلى قضية تدعم بالمال والسكان، فازداد البناء واتسع.

وأخيرا: انقلب الرئيس أوباما في موقفه من معاقبة نتنياهو إلى مكافأته. في الماضي سعى أوباما إلى إرضاء عباس بمصارعة نتنياهو، فأوفد إليه المبعوثين، ورفض استقباله مرة، وعندما استقبله رفض حتى السماح بنشر صورته معه. بعد هزيمته في الانتخابات فتح أوباما باب البيت الأبيض وخزانته المالية لنتنياهو: طائرات وهبات مالية سخية، وموقف سياسي متضامن.

هذا كله بسبب معركة تجميد بناء بعض المستوطنات لبعض الوقت، فهل يستطيع أن يقول لنا الوفد الفلسطيني على أي أساس بنى استراتيجيته عندما جعل التجميد شرطا أهم من السعي لتحرير الأراضي المحتلة؟

أعلم أن رفاق الرئيس عباس في الفريق التفاوضي سيطمئنونه: «الحقيقة مش احنا اللي اشترطنا تجميد الاستيطان، أوباما هو اللي عرض»، صحيح، لكن كلنا نعرف أنه كان موقفا أخلاقيا أكثر منه سياسيا، وكان يمكن لعباس أن يساوم عليه مقابل مكاسب، لكنه فعل العكس تماما.

أما المأساة الكبرى، في نظري، فهي ليست دعم إسرائيل بـ20 طائرة مقاتلة، ولا بالـ20 مليار دولار الهدية، بل أسوأ من هذا كله، فقد صنعت المعركة من نتنياهو بطلا عند الشعب الإسرائيلي والكثير من اليهود في أنحاء العالم. إنه الرجل الذي قال «لا» لأوباما، الرجل الذي هزم الفلسطينيين بلا رصاص أو مفاوضات.

نتنياهو رجع للحكم بتشكيل حكومة ضعيفة، ظن أنها لن تصمد لأشهر قليلة، اليوم هو زعيم سياسي محوري، فهل يستطيع أن يدلنا الفريق الرائع في رام الله على ماذا كانوا يخططون؟

[email protected]