باكستان ترد على التقارب الهندي - الأميركي بالتركيز على الصين

TT

الهدوء الذي أظهرته باكستان خلال جولة الرئيس الأميركي باراك أوباما الآسيوية، وخصوصا زيارته إلى الهند، تحول الآن إلى ما يشبه مراجعة الحساب لدى المسؤولين الباكستانيين، وعادت أنظارهم تتركز على الصين، الدولة التي أراد أوباما في جولته احتواء صعودها. والذي ضاعف من قلق باكستان التقرير الذي أصدره يوم الجمعة الماضي «مجلس العلاقات الخارجية» حيث دعا إدارة أوباما إلى اعتماد استراتيجية جديدة في مكافحة الإرهاب تتطلب سحب نحو 100 ألف جندي أميركي من أفغانستان بحلول شهر يوليو (تموز) 2011، لأن الاستراتيجية الحالية لن تنجح، وقال التقرير إن جهود باكستان في ملاحقة المجموعات الإرهابية التي تهدد أفغانستان والهند والولايات المتحدة، ليست فعالة، ودعا إلى تحذير باكستان من أن المساعدات العسكرية التي تتلقاها قد تتوقف إذا ظلت تغذي وتحمي هذه المجموعات.

زواج «الملاءمة» بين باكستان والولايات المتحدة بدأ بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية عام 2001 مع الغزو الأميركي لأفغانستان بهدف ضرب بؤر الإرهاب. بعد تسع سنوات يتوقع مطلعون باكستانيون أنه في النصف الثاني من العام المقبل، ومع بداية الانسحاب الأميركي من أفغانستان، فإن المساعدات الأميركية لباكستان ستتقلص حتى تتوقف، وأن العلاقات الأميركية مع الهند ستزدهر. ولأن باكستان تريد أن تكون مستعدة للتطورات المحتملة، رأت التوجه إلى الصين مجددا. هذا لا يعني أن باكستان سترتمي كليا في الحضن الصيني وتنهي زواج الملاءمة مع أميركا. لكنها وبكل تأكيد تعيد النظر في تعديل تحالفاتها الحالية.

في نظر مرجع باكستاني، فإن هذه المرحلة هي مرحلة عدم اليقين الاستراتيجي، إذ على الرغم من التحالف الاستراتيجي ما بين واشنطن وإسلام آباد، فإن زيارة الرئيس أوباما إلى الهند التي كانت تستهدف مصلحة الاقتصاد الأميركي، كشفت كيف سيكون عليه تطور العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين الدولتين في المستقبل، إذ عندما يحين وقت الحسم، فإن الأميركيين سيقفون مع الهند وليس مع باكستان.

ويرى الباكستانيون أنه في وقت وفرت فيه واشنطن كل المساعدات المالية والاقتصادية لباكستان مقابل خدماتها بأن تكون ممرا آمنا لقوات «الأطلسي» المتوجهة إلى أفغانستان وأيضا كي تواجه المتمردين في المناطق القبلية، فإن أميركا لم تدعم باكستان في صراعاتها الإقليمية مع الهند. يقول المرجع الباكستاني: «تدخلت أميركا للمساعدة في حل الصراعات بين الهند وباكستان، لكن في النهاية فإن الصيغ التي طرحتها واشنطن كانت تهدف إلى توفير مناخ للحوار بين الدولتين: علاقات تجارية من دون أي حل لنزاع كشمير».

يضيف: «الهدف الوحيد لأميركا هو أن تستأنف التجارة بين الهند وباكستان مما يعطي الأميركيين ممرا من الهند إلى أفغانستان وهذا سيحمل الهند جغرافيا إلى الحلقة الاستراتيجية الأميركية في جنوب آسيا ويسهل دور الهند كي تكون الشريك الاستراتيجي لأميركا في أفغانستان وصولا حتى آسيا الوسطى».

هذا التوجس من العلاقة الهندية - الأميركية أعاد إحياء فريق في المؤسسة العسكرية كان متضايقا من الميل الذي بدأته حكومة الجنرال برويز مشرف نحو أميركا، وأزعجه أكثر السماح للأميركيين بإقامة قاعدة بحرية في «أورمارا» في بلوشستان، مع ما تبع ذلك من حرية تحرك لمقاولي وزارة الدفاع الأميركية في كل باكستان. ويبدو أن هذا الفريق العسكري المؤيد لعلاقات وثيقة مع الصين عاد إلى التحرك، فالزيارة التي قام بها الأسبوع الماضي الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري إلى الصين، جرت من دون أن تتم استشارة السفير الباكستاني في واشنطن حسين حقاني، الذي كان ينصح زرداري دائما بالبقاء بعيدا عن بكين. بدلا من ذلك عقد زرداري قبل توجهه اجتماعا مطولا مع رئيس الأركان الجنرال أشفق برويز قاني.

وإذا كانت الهند، عبر العلاقات الاستراتيجية مع أميركا تتطلع إلى دور كبير في الخليج العربي، فإن الصين عبر باكستان تتطلع هي الأخرى للاقتراب من الخليج العربي أكثر من أجل تأمين وصول النفط إليها دون عقبات.

خلال لقاء زرداري مع الرئيس الصيني هو جنتاو بحثا خطة بناء الصين مفاعلا نوويا خامسا في باكستان - الأمر الذي تعارضه واشنطن - لكنهما ناقشا أيضا تحركاتهما المشتركة في جنوب آسيا.

قبل سفره إلى الصين، ألغت باكستان كل المناقصات الدولية على إنشاء محطات توليد الطاقة فيها، وقررت منح العقد من دون مناقصة إلى شركة صينية لبناء محطة طاقة مائية بقوة 1100 ميغاوات في كشمير الباكستانية بكلفة ملياري دولار.

هناك تقريبا 120 مشروعا صينيا في باكستان، يعمل فيها 10 آلاف عامل صيني، ووصلت الاستثمارات الصينية في باكستان هذا العام إلى 15 مليار دولار، وكانت 4 مليارات دولار عام 2007.

قد يكون أبرز المشاريع المشتركة هو الميناء الكبير في القاعدة البحرية «غوادار» في مقاطعة بلوشستان. هذا المجمع الذي افتتح عام 2008 يوفر ميناء على المياه العميقة، ومستودعات، وتسهيلات صناعية لأكثر من عشرين دولة، أسهمت الصين بثمانين في المائة من كلفته، وتؤمن المساعدات التقنية، وأهم ما كسبته هو منفذ استراتيجي على الخليج العربي، فالمرفأ يبعد 180 ميلا بحريا عن مضيق هرمز الذي تعبره 40% من تجارة النفط العالمية. وهذا يمكن الصين من تنويع وتأمين طرق إمداداتها النفطية مع منفذ على بحر العرب.

تقرير آخر عن أفغانستان صدر في واشنطن أعدته «مؤسسة أميركا الجديدة» و«مركز الدراسات الدولية»، دعا هو أيضا إلى الإسراع بسحب القوات الأميركية من أفغانستان لأن «خطة مواجهة التمرد الدائرة حاليا، قد تساعد طالبان على تجنيد المزيد، بدلا من تفكيكهم، ويمكن أن تنشر الصراع إلى باكستان، وتوحد الراديكاليين الذين لولا الخطر المشترك لتصارعوا فيما بينهم، وتهدد على المدى البعيد الاقتصاد الأميركي وتمنع الحكومة الأميركية من تحويل انتباهها إلى مشاكل ملحة أخرى».

الصين التي تدير رسميا عمليات مرفأ «غوادار»، يمكنها الآن مع باكستان تحقيق مكاسب إقليمية استراتيجية أفضل.

من حرب عسكرية إلى حرب باردة ستكون منطقة جنوب آسيا مسرحها، هذه المرة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين. مشكلة الطرف الأميركي في هذه اللعبة، أن اقتصاده تعب جدا، ولم يستطع الرئيس أوباما في جولته الآسيوية ومؤتمر «آسيان»، أن يكسب التعاطف الذي جاء لأجله. هو يركز على الهند، لكن الهند ترفض أي انسحاب أميركي من أفغانستان، والاستراتيجيون الأميركيون ينصحونه بالإسراع في الانسحاب من تلك البلاد الصعبة، ويوم غد الجمعة سيعقد قادة الحلف الأطلسي مؤتمرهم في لشبونة، حيث سيحاول أوباما إقناع حلفائه بالالتزام بإبقاء قواتهم في أفغانستان حتى عام 2014. ارتباك واشنطن يزيد من تعنت الصين. ومراهنة باكستان، كرد على الإهمال الأميركي، هي على الحصان الفائز.