ما وراء الوجه الظاهر للصين المزدهرة

TT

هونغ كونغ - القوة والثروة الاستثنائيتين اللتين تمكنت الصين من اكتسابهما خلال 30 عاما فقط ظهرا بوضوح في شوارعها النابضة ومراكز تسوقها العملاقة ومناوراتها العسكرية التي تشي بحالة من الزهو. لكن لا تزال حالة من انعدام الأمن أقل وضوحا عالقة بها من ماضيها الفوضوي القريب، وتقود سياستها. لذلك يتعين قياس نقاط قوة، وكذلك ضعف، الصين بعناية.

وهم يستعدون إلى تغيير كبير في الأجيال بين صفوفهم من المتوقع حدوثه في غضون عامين، يعيش قادة الصين عاما من الحزم؛ فقد أجبروا اليابان على الإفراج عن قائد سفينة صيد صينية معاد، بدا أن احتجازه كان مبررا، وهاجموا الولايات المتحدة مرارا لخلافات اقتصادية ودبلوماسية معها وهددوا بالانتقام من الحكومات الأوروبية إن هي أقدمت على إرسال ممثلين لها عند تسليم جائزة نوبل للسلام لمواطن صيني في حفل من المقرر أن يقام يوم 10 ديسمبر (كانون الأول).

وعندما استطاعت الصين أن تحل محل اليابان مؤخرا لتصبح القوة الاقتصادية الثانية في العالم، بدا أن المسؤولين الصينيين سعداء ومستبشرون بسقوط أكبر لمنافستها القديمة في آسيا. وقالت نائبة وزير الخارجية الصيني، فو يينغ، وعلى وجهها ارتياح واضح خلال ندوة نقاش دولية: «لم يحدث أبدا أن كانت الصين واليابان قويتين في الوقت نفسه».

لكنها كانت تشعر بالقلق أيضا من «مخاوف مزدوجة» لا تزال قائمة في الصين من «أن تكون قد فرضت نفسها على العالم المتقدم»، وكذلك قلق البلدان الصناعية الكبرى من تحول القوة بسرعة إلى يد الصين. وقالت: «إن ما يحدث هو توزيع للسلطة وليس تحويلا لها».

ويعمل المسؤولون في الصين اليوم على مسارين؛ حتى وهم يستعرضون قوتهم الجديدة، فإنهم حريصون على الحفاظ على قنوات سرية مع الحكومات والمنظمات الدولية الأخرى بطريقة لم تكن تلجأ إليها الصين في الماضي. وقد وصف عدد من المسؤولين الصينيين الجهود غير العادية التي تبذلها الصين لتقليل الضرر بعبارة مماثلة: «إننا ننصت لما يقوله الآخرون ولكن نحن نصر الآن على أن ينصت لنا الآخرون».

وكان سيبدو الأمر غريبا لو لم يلق الرئيس الصيني، هو جينتاو، وكبار المسؤولين في حكومته بثقلهم من أجل إظهار مدى الأهمية التي أصبحت لوطنهم. لكن الصخب المتقطع والعلني - على سبيل المثال في شجبهم لمنح مواطن صيني جائز نوبل للسلام - ينم عن هشاشة تغيب عادة عن تقييم ورؤية الولايات المتحدة للصعود المفترض لهذا البلد العنيد.

ويقول أحد رجال الأعمال الذين لهم صلات جيدة هنا: «إن القادة يريدون أن يتأكدوا أن انتقال السلطة إلى من سيخلفونهم سوف يتم بصورة سلسة عام 2012. ولذلك فلن يظهروا أي ضعف خارجي، ولن يخضعوا لتدخل هيئة نوبل أو للمطالب برفع قيمة العملة الصينية. والحكومة اليابانية الضعيفة سوف تكون هدفا سهلا لهذه القوى الصاعدة».

ويمتزج الصوت العالي للصين في الخارج بما يبدو صوتا منخفضا نسبيا في الداخل - إلا إذا كان وفقا لمعايير العنف الخاصة بالثورة الثقافية التي اندلعت في ستينات القرن الماضي ومذبحة ميدان السلام السماوي التي وقعت عام 1989 - وخصوصا هنا في هذه المنطقة المزدهرة المتسامحة سياسيا نسبيا، التي استعادت الصين السيطرة عليها من بريطانية عام 1997.

والتطور الاقتصادي والمالي لا يزال كبيرا بصورة لافتة، وهناك مناقشة نشطة وإيجابية عن منح جائز نوبل للسلام لليو شياوبو بين أوساط طلاب الجامعة الذين التقيتهم. ويعد رجال الأعمال بأنهم سوف يسهمون في إقامة «مجتمع مدني» لمواجهة الحكم الديكتاتوري في بكين.

ويقول أحد المفكرين: «لقد توصل الحكام إلى اكتشاف مذهل (لهم). إنهم ليسوا بحاجة إلى القيام بملاحقات واتخاذ إجراءات صارمة لإدارة الدول بكفاءة، وإن حرياتنا لا تشكل أي تهديد لهم. لكننا نعلم أنهم لن يترددوا في تكرار مذبحة تيانانمين إذا شعروا أننا قد نشكل تهديدا لهم».

وتحاول الصين إبراز القوة والثروة اللتين أصبحتا لديها في الخارج بواسطة وسائل إعلامها المتنامية ودبلوماسييها وبعض الكتاب في الخارج الذين يقومون بتضخيمها. لكن تلك الصورة ذات البعد الواحد ألطف، فضلا عن الطاقة الإيجابية والتفاؤل الذي يتمتع به الكثير من الصينيين، خصوصا طلاب الجامعات، وتتجاهل أيضا نقاط الضعف الحادة التي لا يزال يشعر بها قادة البلاد وتظهر من خلال حالات الغضب التي يبدونها في صخب بين آن وآخر. وقد يكون من الصعب مواجهة هذين الضغطين في وقت واحد، مثلما صرح الرئيس أوباما مؤخرا.

وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده مباشرة بعد هزيمة حزبه في الانتخابات هذا الشهر، تحدث أوباما بإعجاب عن شبكة السكك الحديدية السريعة التي تقيمها الصين باعتبارها تمثل نموذجا للمستقبل الأميركي. وقد جاءت هذه التصريحات متوافقة مع ما أعرب عنه الرئيس وغيره من قبل عن القوة الاقتصادية للصين والصناعات التكنولوجية «الخضراء» الصينية.

ولكن تبرز هنا كلمة هي أن وزارة السكك الحديدية الصينية تعيد النظر في خططها الطموحة لتوسيع نظام السكك الحديدية السريعة بعد أن اكتشف الخبراء أنها مكلفة بشكل مخيف ولا يمكن ربطها بكفاءة مع باقي وسائل النقل في البلاد.

ولا عجب أن زعماء الصين يخشون من أن التاريخ لا يسير في خط مستقيم بالنسبة لأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، التي تحمل بين طياتها غموضا لا نهاية له.

* خدمة «واشنطن بوست»