أوهام قمة العشرين

TT

قرر قادة مجموعة العشرين عدم خفض قيمة عملاتهم المحلية من أجل زيادة الصادرات، وسيكون من الجيد أن يلتزموا بهذه القاعدة التي وضعوها بأنفسهم. من الصعب تصديق ما يقال اليوم عند تذكر التصريحات العديدة التي صدرت في نهاية اجتماعات مماثلة في الماضي وما أعقبها من تصرفات جاءت متناقضة مع وعود هؤلاء القادة أنفسهم.

تتذبذب أسعار الدولار واليورو والين والجنيه الإسترليني على نطاق واسع من آن إلى آخر، مما أدى إلى صعوبات خطيرة واجهتها بعض الحكومات والمصارف المركزية ورجال الأعمال، خاصة المصدرين.

تعتبر إمكانية خلق عملة دولية سليمة بدلا من استخدام عملات محلية أو إقليمية في معاملات دولية، على الرغم من عدم واقعيتها نوعا ما، فكرة مثيرة، لكن السؤال هو: هل من الممكن إيجاد عملة دولية جديدة تحظى بالقبول على نطاق واسع؟

ما الخصائص الأساسية التي لا غنى عنها في عملة دولية؟ قبل كل شيء يجب أن تحظى بقبول جميع الدول باعتبارها وسيلة مقايضة مشتركة ووحدة محاسبة وأداة لتسوية الديون ووحدة قيمة معيارية. وإضافة إلى ذلك، ستحتاج إلى آلية لموازنة الحسابات الجارية بصورة تلقائية وتطبيق نوع من العقوبات عند إساءة استخدام نظام نقدي جديد.

كان الذهب يقوم بهذا الدور بسهولة قبل أزمة 1929؛ حيث يتمتع بجميع خصائص وسائل المقايضة الدولية، لكن الكساد الكبير دمر هذا النظام واضطلع الدولار الأميركي بدور العملة الدولية بوجه ما بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن هذا النظام شهد انهيارا هو الآخر وتم اعتماد سياسة تعويم سعر الصرف لإعادة توازن أسواق العملات الأجنبية عندما بدأت قيمة الدولار تتذبذب. ولكن بعد وقت قصير أدرك أن هذا النظام الجديد غير قادر هو الآخر على المساعدة في ترويض تلك التقلبات الكبيرة في أسعار الصرف.

وكما أوضحت مرات عدة سابقة، فإن المشكلة الرئيسية في إرساء نظام نقدي، يحظى بقبول دولي، هي التناقض بين السياسات الاقتصادية للدول. حتى إن تمت المواءمة بين السياسات الاقتصادية المختلفة للدول باعتبارها حزمة مشتركة بينهم، سيكون من الضروري تأسيس مؤسسات مالية دولية ذات سلطة دولية من أجل التحكم في عملية التطبيق، وهذه هي أكثر الجوانب بعدا عن الواقعية في عملية تأسيس نظام نقدي دولي.

يجب اليوم قبول فكرة إرساء نظام اقتصادي دولي جديد قائم على سياسة نقدية ومالية مشتركة من أجل الحيلولة دون حدوث أزمات اقتصادية عالمية أو على الأقل منع امتداد أزمات الدول إلى دول أخرى، لكن ما أسهل القول وأصعب الفعل.

وتكمن الصعوبة الأساسية، في إنشاء هذا النظام، في إقناع الدول الغنية بمزايا التعاون الاقتصادي الدولي، وقد اتخذت حكومات منطقة اليورو خطوة إيجابية بإصدار قرار للحد من حجم الإنفاق الحكومي داخل الدول لمنع انتشار المشكلات المالية وحماية قيمة اليورو. يمكن أن يكون هذا الإجراء خطوة إيجابية حقا إذا تم تنفيذه بشكل صحيح.

هل انتظار خروج اجتماع قمة العشرين بالمزيد من الخطوات الإيجابية أمر واقعي؟ نظرا لأن عددا كبيرا من الدول الأعضاء في قمة العشرين أعضاء في الاتحاد الأوروبي أيضا، ربما يظهرون هذه المرة حسن النوايا، لا بالمعنى الإقليمي وحسب لكن بالمعنى الدولي أيضا.

لكن يظل التطبيق أهم من النوايا الطيبة، خاصة في ظل مواجهة أغلب هذه الحكومات مشكلات سياسية في الداخل.. على أي حال سنرى ما ستسير إليه الأمور.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية