حكومة أغلبية أم توازن؟

TT

هل أسدل الستار عن أزمة تشكيل الحكومة العراقية القادمة؟ وهل باتت الديمقراطية العراقية في مأمن من أزمات أخرى؟

لم يكن باستطاعة مجلس النواب العراقي أن يلتئم مجددا لينهي جلسته المفتوحة، لولا عوامل كثيرة، يأتي في مقدمتها وصول جميع الكتل السياسية أو القوائم الفائزة إلى مفترق طرق حتمي، وهذا المفترق يتمثل في وصول التحالفين الوطني والكردستاني إلى رؤية مشتركة تمثلت في الورقة الكردية التي حظيت بالقبول من قبل التحالف الوطني من جهة، ومن جهة ثانية تمكن مرشح التحالف الوطني لرئاسة الوزراء من تحقيق تحالفات أخرى مع قوى سياسية تمكنه من تشكيل حكومة أغلبية سياسية بعيدا عن مبدأ حكومة الشراكة الوطنية التي ظلت خيارا مفتوحا للجميع، وتأكدت بشكل جلي في استجابة كافة الكتل السياسية لمبادرة الرئيس مسعود البرزاني، بما فيها الكتل السياسية التي عارضت بشكل أو بآخر تجديد ولايتي الرئيس جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي.

وبالتالي فإن مبادرة رئيس إقليم كردستان كانت إيجابية للغاية بتوقيتها المناسب من جهة، ومن جهة ثانية لاقت الترحيب الكامل من قبل القوى السياسية خاصة التي تتمتع بأغلبية كبيرة في البرلمان، كالتحالفين الوطني والكردستاني، وهذا ما ساهم كثيرا في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء.

وما يمكن أن يقال بعد اليوم بأننا ربما أنهينا الفصل الأول من تشكيل الحكومة دون أن نجد حلولا للكثير من الأسئلة والمطالب التي أدرجت من قبل بعض القوائم كشرط لاشتراكها في حكومة شراكة متوازنة وتم ترحيلها للمرحلة الثانية من مراحل ولادة الحكومة العراقية.

وواحدة من أهم تلك المشكلات التي ستأخذ وقتا طويلا وربما تكون محل جدال قانوني ودستوري هي مسألة صلاحيات رئاسة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية، هذا المنصب الذي ينتظر تشريع قانون له من قبل البرلمان ويعرض للتصويت داخل البرلمان، ومن الصعوبة جدا تمريره إذا ما تم على أساس تقاسم الصلاحيات أو محاولة إيجاد صلاحيات جديدة تتعارض وتتقاطع مع صلاحيات رئيس الوزراء، وبالتالي فإن هذا القانون سيأخذ وقتا أكثر مما يتوقعه المتابع خاصة أن ثمة قانونا آخر لم ير النور منذ عام 2006 وهو قانون مجلس الاتحاد الذي ورد في المادة 62 من الدستور العراقي، «يتم إنشاء مجلسٍ تشريعي يُدعى «مجلس الاتحاد» يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانونٍ يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب». وهذا القانون لم يتم تشريعه، وبالتأكيد، هو لا يختلف كثيرا من حيث الصلاحيات والمهام عما يمكن صياغته من قانون وصلاحيات رئاسة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية.

وقد مارست القائمة العراقية ضغوطا كبيرة لتأجيل انتخاب رئيس للجمهورية بغية مناقشة ما سميت بوثيقة اتفاق على إعلان إصلاحات سياسية خاصة ما يتعلق بالمجتثين بقرارات هيئة المساءلة والعدالة من جهة ومن جهة ثانية تحديد صلاحيات مجلس السياسات في الجلسة الأولى، وهذا يتعارض ومواد الدستور التي تنص على أن تكون الجلسة لانتخاب رئاسة البرلمان وإمكانية انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة العراقية، وهذا ما دفع أغلبية أعضاء القائمة العراقية للانسحاب من جلسة التصويت لرئيس الجمهورية وهو خطأ سياسي كبير ترتكبه هذه القائمة مرة أخرى، ينم عن عدم إدراك لمواد الدستور وواجبات البرلمان في جلسته الأولى، ويؤكد حقيقة باتت واضحة وجلية في المشهد السياسي العراقي وتتمثل بأن القائمة العراقية وبعض قياداتها ما زالت غير واثقة بالكتل الأخرى، وبالتالي فإن مشروع الشراكة والتوازن يبدو بعيدا عن مفهومه الصحيح الذي يتمثل بتأسيس قاعدة تفاهمات لا تتجاوز على الدستور أو تكون بديلا عنه.

النقطة الثانية وهي قانون المساءلة والعدالة الذي أقر وشرع وتم التصويت عليه في البرلمان العراقي، وتم تفعيله في أكثر من مناسبة؛ منها الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وبالتالي فإن إيجاد بدائل لهذا القانون بأية تسمية كانت من شأنها هي الأخرى أن تأخذ وقتا من المشاورات والقراءات القانونية وما يمكن أن يترتب على ذلك من تباعد في وجهات النظر بين الكتل السياسية، كل حسب وجهة نظره. خاصة أن تصريحات كثيرة أكدت أنه لا يمكن لكتلة معينة إعطاء اتفاقيات عن نصوص قانونية ودستورية وتشريعية نافذة المفعول.

وما يمكن أن نستنتجه من الحراك السياسي في الأسبوع الماضي هو اتفاق جميع الكتل السياسية على ثلاثة مبادئ مهمة، هي الالتزام بالدستور والتوافق والتوازن. وما عداها اتفاقيات لا ترتقي لمستوى التشريع أو نقض القانون أو حتى تجميد العمل به.

انسحاب «العراقية» من جلسة التصويت، كما أشرنا، هو قرار متسرع قد يحرمها من مناصب كثيرة في الحكومة المقبلة، وربما يقول البعض إنها يمكن أن تعود للعملية السياسية في الجلسة الثانية خاصة أن انسحابها لم يؤثر على النصاب القانوني لانتخاب رئيس البلاد ولن يؤثر أيضا في تمرير التصويت على حكومة السيد المالكي التي ربما تكون حكومة أغلبية سياسية وليست حكومة شراكة، خاصة إذا ما أصرت القائمة العراقية على موقفها.

* كاتب عراقي