مسيحيو العراق.. مديح الضعفاء

TT

محمودة تلك الهبة الإعلامية والسياسية التي أعقبت تفجيرات كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد والتهديد الصريح من قبل تنظيم القاعدة في العراق للمسيحيين وتنفيذه لهجمات ضد كنائسهم ومنازلهم..

أيضا أن تنظم مؤتمرات وتعقد ندوات، بل أن يمتنع بعض المثقفين والناشطين عن الاحتفال بعيد الأضحى تضامنا مع المسيحيين هو أيضا مظهر تضامن يبدو مطلوبا كجزء من آلية عمل كبرى لا يزال متعثرا نضوجها لحماية المسيحيين والأقليات عموما في العراق والمنطقة..

لكن في وسط حملة التضامن هذه تتسلل الكثير من العبارات والأفكار التي تضعف منطق هذه القضية المستجدة وتدرجها في خانة حماية مستضعفين لا مواطنين شركاء في المجتمع والدولة..

أن يضمن الكثير من كتبة المقالات والصحافيين والسياسيين خطبهم في الدفاع عن المسيحيين ودعوات الذود عنهم والحيلولة دون هجرتهم، عبارات من نوع أن مسيحيي العراق «طيبون» و«مسالمون»، فإن في ذلك انتقاصا من حقهم الطبيعي في الأمن والحياة بحرية وكرامة، بصرف النظر عن مزايا أخلاقية نسبغها حين نشاء على جماعات بعينها.

فمستحق الحياة هو أي إنسان من حيث المبدأ، وهو مستحق أيضا للعدالة والأمن والتطلع والطموح، وهذه حقوق سابقة على حق الحماية.

من حق المسيحيين أينما كانوا، ومن حق أي أقلية، ومن حق أي جماعة، أن يكون لها احترامها وحريتها واحترام مواطنة أفرادها، بصرف النظر عن أي اعتبار آخر أو قبل أي اعتبار آخر..

ليس ما جرى في العراق من استهداف فاجر للمسيحيين بأمر طارئ للأسف.. إننا نشهد يوميا كيف تنهار المساحات المشتركة بين المجموعات التي يتألف منها العراق أو أوطان أخرى في المنطقة، بحيث باتت معاداة الأقليات ظاهرة لها وسائل تعبيرها في الإعلام والسياسة وفي العاديات اليومية من حياة المجتمعات التي نعيش فيها. فكيف سيكون الحال إذا ما تحدثنا عن انسداد الأفق السياسي والديمقراطي أمام الأكثريات والأقليات على حد سواء في بلادنا..

المسيحيون «أوادم» و«ضعفاء» ولهذا يستحقون منا حمايتهم. على هذا النحو قدمت مأساة مواطنينا هؤلاء. ووفق هذا المنطق سبق أن تضامن قليلون منا مع الأكراد الذين ظلمتهم كثرتنا لكن سرعان ما تتراجع لغة التضامن حين تتقدم لغة السياسة والمواطنة.

هناك تجارب كثيرة في العالم جرت لحماية أقليات ثقافية ودينية وعرقية. هذه التجارب استبطنت رغبة في تقديم مصالح أقلياتها وفق منطق عزز من صمود هذه الأقليات في وجه مخاطر الأكثريات. كانت مواطنة هؤلاء هي الحصانة والضمانة فيما تولى القانون إشعارها بالأمن والحماية.

تبدو عملية بلورة لغة مخاطبة عبر وسائل الإعلام لتظهر مأساة أقلياتنا عملية ما زلت متأخرة. فالتفكير في هذه الجماعات وابتكار حساسية تضمن وجودها وتقدمها ضمن مجتمعاتنا بصفتها جزءا منها أمر لم ننجزه بعد.

ليس من حق المسيحيين العيش بأمان لأنهم «أوادم»، من حقهم العيش بأمان وحرية ونقطة على السطر..

diana@ asharqalawsat.com