بوش ينسج في مذكراته خيالا ماليا

TT

كانت، أو هكذا حسبت، فكرة ممتازة لمقال: فصل مفقود من وحي الخيال بمذكرات جورج دبليو بوش، التي جاءت تحت اسم «قرارات حاسمة»، يعترف خلاله الرئيس السابق بأنه اتخذ قرارا خطأ فيما يتعلق بالضرائب.

لن يندم بوش الذي يتصوره خيالي؛ لأنه ضغط من أجل خصومات ضريبية. ولكنه سيعترف – على الرغم من صعوبة ذلك – بأن ألان غرينسبان كان على حق عندما اقترح آلية لإلغاء الخصومات لو لم يتحقق الفائض الموعود.

فقط لو..

وبالطبع كان ذلك الفائض محض سراب. وبدلا من الإشراف على عملية التخلص من ديون عامة يتحملها المواطنون، وقف بوش يشاهد هذه الديون ترتفع من 5.6 تريليون دولار إلى قرابة 10 تريليونات دولار.

وكما هو الحال مع الفائض، تبخر الفصل المتضمن شبه الاعتذار الذي أتخيله في مواجهة الواقع. لقد قرأت «قرارات حاسمة» وتبين أن بوش مثل إديث بياف في السياسة المالية، فهو لا يأسف على شيء.

كتب بوش: «على مدى أعوام كنت أنصت إلى ساسة من كلا الجانبين يزعمون أني أسرفت في الفائض الكبير الذي ورثته، وهذا كلام لا معنى له، فالكثير من الفائض كان محض وهم؛ إذ اعتمد على افتراض خاطئ مفاده أن الازدهار الاقتصادي خلال التسعينات سيستمر. وبمجرد وقوع الركود وهجمات 11 سبتمبر (أيلول) لم يبق سوى القليل من الفائض».

ماذا يقول لنا الآن؟ كان هذا الفائض الوهمي حجر الزاوية الذي أسس عليه بوش سياسته الاقتصادية. وقال بوش في فبراير (شباط) 2001: «كما ترون، يوجد فائض متنامٍ بسبب ضرائب كبيرة بصورة مبالغ فيها وحكومة تفرض رسوما أكثر مما تحتاج».

وبعيدا عن تنبيهات تحذيرية تردد صداها، أكدت الإدارة أن تقديراتها للفائض كانت محافظة. وقال السكرتير الصحافي أري فليشر في مارس (آذار) 2001: «إذا كان ثمة خطأ ما، فيحتمل خطأ على الجانب الآخر من الميزان، وأن يأتي المزيد من العوائد». وتعلمون طبعا كيف سارت الأمور.

وكتب بوش قائلا: «لقد تعاملت بجدية مع مسؤوليتي كمنظم مالي جيد».

كيف ذلك؟ لقد اختار بوش الدخول في حرب، ولكن على عكس أي رئيس آخر دخل في حرب اختار أن يدفع التكلفة بالكامل بأموال مقترضة مع الضغط من أجل الحصول على خصومات ضريبية إضافية. ويعبر بوش عن أسفه لأنه ترك خلفه «مشكلة مالية خطيرة على المدى الطويل» تتمثل في إنفاق مخصصات كبيرة ولكنه يلقي باللائمة على المعارضة من كلا الحزبين داخل الكونغرس، من دون الاعتراف بأنه أضاف مخصصا جديدا مكلفا لا يتم الدفع مقابله، وهو خطة الوصفات الطبية ببرنامج الرعاية الطبية «ميدي كير».

وماذا عن هذه الخصومات الضريبية؟ يقر بوش قائلا: «صحيح كانت الخصومات الضريبية ترفع العجز على المدى القصير، ولكن أعتقد أن الخصومات الضريبية، لا سيما تلك الخصومات على كسب المال والأرباح، من شأنها تحفيز النمو الاقتصادي. وستساعد العوائد الضريبية من ذلك النمو، مع القيود على النفقات، في تقليل العجز».

هذا نهج أكثر مهارة من صيغة جانب العرض المعتادة، ولكنها لا تزال تعاني مغالطات الخصومات الضريبية التي تتحمل تكلفتها بنفسها. وقد قدر المستشار الاقتصادي البارز لبوش، غريغوري مانكيو، أنه على المدى الطويل فإن الخصومات في الضرائب الاستثمارية تؤدي إلى نمو اقتصادي يعوض عن نصف العوائد المفقودة فقط.

ويعرض بوش رسما بيانيا يظهر أنه أنفق أقل (كنسبة من الاقتصاد) وكان لديه عجز أقل، بالمقارنة مع ما كان لدى آخر رئيسين من الحزب الجمهوري قبله، ويماثل ما حققه بيل كلينتون.

ومتوسطات بوش مضللة، ويرجع ذلك لسبب واحد، هو أنه ينتقي أعوامه المالية؛ إذ ينسب لنفسه الفضل في فائض المتحقق عام 2001، 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من أن ذلك كان قد تحدد بدرجة كبيرة عندما تولى منصبه. وعلى الجانب الآخر، لا يتحمل بوش أي مسؤولية إزاء العجز المروع خلال 2009، 9.9%. وعند خصم عمليات الإنقاذ والإنفاق من أجل تحفيز الاقتصاد وبافتراض أن الكثير من عمليات الإنقاذ سيتم سدادها وأن عمليات الإنفاق وقعت في ظل رئاسة أوباما، سنجد أن العجز خلال 2009 يفترض أنه يساوي 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

الأكثر أهمية من ذلك هو أن تسلسل الأمور يظهر شيئا أقل لطفا إزاء بوش، فقد تولى منصبه بعد 3 أعوام أشرف فيها كلينتون على فوائض في الميزانية. وبعد 2001 أشرف بوش على 7 أعوام شهدت عجزا مستمرا لم ينقطع.

وباختصار، لقد ورث بوش ميزانية لها قوام سليم، ولكنه تركها في حال يرثى له. وقد كان للاقتصاد المتعثر دور داعم، ولكن كانت العوامل الرئيسية من صنيعة بوش وتتمثل في خصوماته الضريبية وحروبه ومشروع قانون الوصفات الطبية. ومن دون هذه الأشياء، كان سيتوافر فائض خلال ولايته. وسوف يسدل الستار على هذه الحروب، ولكن تكلفة الخصومات الضريبية ومشروع قانون الوصفات الطبية سترتفع بمقدار أكبر خلال العقد المقبل.

* خدمة «واشنطن بوست»