رفع المعنويّات

TT

السودان بشقيه الشمالي والجنوبي عزيز على قلبي، وهو الآن مثلما هو معروف على مفترق طرق - خصوصا أن (الاستفتاء) وتقرير المصير قاب قوسين أو أدنى - وسواء استمرت الوحدة أو حصل الانفصال، فالعقبة (الكأداء) هي الآن ترسيم الحدود أو التنازع على بعض المناطق.

ولدي اقتراح ساذج يستند إلى تنازع طفلين على اقتسام تفاحة، وحلا لهذه المشكلة قال أحدهما للآخر: أنت اقسم وأنا أختار، أو العكس.

وهكذا ما رأيكم أن يقسم الشمال، والجنوب له الحق أن يختار، أو يقسم الجنوب، والشمال له الحق أن يختار؟!

وبعدها يا دار ما دخلك الشر.

هل صحيح أن «أصعب عملية حسابية يمكن أن يقوم بها المرء، هي القدرة على إحصاء النعم التي يتمتع بها»؟!

أعتقد أن هذا صحيح (إلى حد ما)، خصوصا أنني قرأت لأحدهم عندما قال: «بكيت لأنه ليس لدي حذاء، حتى رأيت من ليس لديه قدم».

غير أن سؤالي الحاسم هو: كيف يحسبها من ليس له قدم؟!

حدثني طبيب أشعّة عن بعض المواقف التي مرت عليه وقال: أتاني قبل يومين شاب وطلب مني أن ألتقط صورة لصدره بالأشعّة، واستفسرت منه عن السبب فقال: «إن والدي طفّشني من كثرة تأنيبه لي، وهو يردد دائما: أنت ما عندك قلب، ما عندك قلب. وأريد أن أثبت له أن عندي قلبا».

فسألت الطبيب: وهل صوّرته؟!

قال: صوّرته.

قلت: يا بخت أبيه بقلبه.

من أقوال الفيلسوف (دانتي): يُلقى بهؤلاء الذين يلزمون (الحيادية) في أوقات الأزمات الأخلاقية في الدرك الأسفل من النار.

كنت مع أحدهم ننتظر المصعد في الطابق الثامن عشر، وتوقف وانفتح الباب ودخلنا فإذا بنا وجها لوجه أمام امرأة (يا سبحان الله) سمراء فاتنة تقول للقمر: (قوم وأنا أجلس بدالك)، ومعها ابنها الذي لا يتجاوز عمره أربع سنوات، فضغطت هي على زر الهبوط إلى الطابق الأرضي، فغضضت أنا بصري تأدبا وخشية على نفسي من الفتنة كعادتي، وانزويت في ركن المصعد كأي قط أليف.

وفوجئت برفيقي ينحني ويضع يده على رأس الطفل قائلا له: ألم يقل لك يا صغيري أحد يوما إن لك أُما رائعة الجمال؟!

فارتعب الطفل وتشبث بيد أمه.

وبعد أن نزلنا التفتُّ إليه قائلا: عيب عليك، لقد أرعبت الطفل.

فقال: إنني فقط أريد أن أرفع معنويّات الأم.

فقلت له غاضبا: تريد أن ترفع معنويّاتها، أم ترفع أشياء أخرى؟! صحيح أنك حيوان.

[email protected]