نجحت المجلة وفشلت القارة

TT

مرّ نصف قرن على تأسيس مجلة «جون أفريك» (أفريقيا الفتاة) على يد السياسي التونسي بشير بن يحمد. وعلى مدى نصف قرن، كانت المجلة نقيضة القارة التي حملت اسمها وصدرت من أجلها. فقد كانت أفريقيا تنتقل من فشل إلى تدهور، ومن إخفاق إلى إخفاقات، فيما تحولت «جون أفريك» في قلب باريس إلى مؤسسة صحافية كبرى، ذكية، حيوية ومزدهرة. وإذ تعاني أفريقيا والصحافة المكتوبة من أزمات وجودية، تتصدر «جون أفريك» أكشاك فرنسا وأفريقيا الفرانكفونية معا.

ولا شك أن «جون أفريك» سعت في بداياتها إلى تقليد صيغة «الإكسبريس» التي كانت أنجح أسبوعيات فرنسا، وتضم ألمع كتابها: فرنسوا مورياك وجان جاك سيربان شرايبر، وفرنسوا جيرو العراقية الأصل، وأبرز صحافيات فرنسا حتى وفاتها. ورغم تعقيدات السياسات الأفريقية، نجح بن يحمد في الحفاظ على استقلالية جيدة. وفتح صفحات المجلة لكبار العرب والأفارقة الذين يكتبون بالفرنسية. ولعل أشهر هؤلاء أمين معلوف، الذي عمل ثلاث سنوات رئيسا للتحرير، قبل أن يقرر التكرس للعمل الأدبي. وقد أنجز كتابه الأول «الحروب الصليبية كما رآها العرب» وهو لا يزال بعد عاملا فيها.

وضع بشير بن يحمد صيغة دولية لمجلته، أعتقد أنها كانت السبب الأول في نجاحها. على الرغم من طغيان المادة الأفريقية عليها، أو التي لها علاقة بأفريقيا، أغناها بالمواضيع والمقالات الدولية، وخصص - بالإضافة إلى مقالاته الأسبوعية - حيزا واسعا لقضايا الشرق الأوسط. وتعاقد مع كتاب دوليين مثل توماس فريدمان الذي كتبت مرة أنه تراجع كثيرا. وأعود الآن فأصحح، لأنه في الأشهر الأخيرة عاد إلى غناه السابق في قراءة التحولات العالمية.

وليست لي ذكريات مع «جون أفريك» إلا لقاء واحدا مع بشير بن يحمد في أواخر الستينات. ذهبت إليه أسأله إن كان لي من عمل في المجلة، فكان جوابه، لماذا لا نجرب. ولم نجرب. وبعد سنوات كثيرة التقيت الدبلوماسي السوري إميل الشويري، الذي عرف عنه أنه كان «مدوّن» مؤسس حزب «البعث»، ميشيل عفلق. وكانت تجمعني معرفة وصداقة بعائلة الشويري، إلا كبيرها إميل، فلم يصدف أن التقيته قبل ذلك النهار، في عرس كريمة عصمت شنبور، في إحدى ضواحي باريس.