مشاهدة العروس نصف ساعة.. بألف ريال

TT

كانت الفتيات في الجزيرة العربية إلى بدايات القرن العشرين لا ينتقبن ـ خصوصا في شمال الجزيرة وجنوبها ـ وهذا ما قرأته من كتب الرحالة والمستشرقين، وسمعته من كبار السن الذين لحقت بهم.

كانت المرأة ترعى المواشي، وتزرع وتحصد، وتشتري وتبيع، وتستقبل الضيوف وتضيفهم حتى لو كانت وحدها في البيت، ولم يعب عليها المجتمع ذاك.

بل إن اختلاطها بالرجال في دور العبادة، وفي الأسواق، وفي الأسفار والصحارى، ومشاركتها لهم في الولائم والأفراح، لم تنقص من قدرها، بل إنها أعطتها مكانتها الطبيعية في هذه الحياة لكي تكون عنصرا فاعلا ومؤثرا، وقد كانت.

وكان حسن الظن والنقاء والثقة والاحترام المتبادل في ذلك الزمن، هو الدستور أو الميثاق أو القانون الذي ربط علاقة الرجل بالمرأة.

صحيح أنه كانت هناك جريمة ولكنها نادرة، وكان هناك عشق ولكنه عفيف.

لذلك لم تكن هناك مشكلة مستعصية أو متحكمة بين هذين العنصرين، فكل منهما يكمل الآخر، وكل منهما يعمل مع الآخر، ورغم أن العلم يكاد أن يكون معدوما، غير أن هناك وشائج أخلاقية تهيمن على أغلب التصرفات، لهذا لم يكن صعبا على الفتى أن يجد له عروسا، وبالمقابل لم تكن هناك أي صعوبة أن تجد الفتاة ابن الحلال الذي يتقدم لها بكل بساطة وشهامة وعفوية.

غير أن الأمور تغيرت وتعقدت، بتغير الحياة وتعقد الظروف.

ورغم أن الإسلام يحث على أنه يحق للخطيب أن يشاهد خطيبته، مثلما بالمقابل لها الحق في ذلك، فإنه ما زال هناك بعض المتشددين يرفضون ذلك نهائيا.

ولقد شاهدت مقابلة تلفزيونية للشيخ عبد الله المطلق ـ وهو بالمناسبة من أسمح المشايخ وأقربهم للنفس ـ وهو لا يمانع بالمشاهدة، ولكنه قال ـ بما معناه ـ: إذا كانت هناك بعض الفتيات التي تتعقد الواحدة منهن إذا جلست مع الخطيب، ثم خرج ولم يعد، فلا بأس والحال كذلك أن يأتي الخطيب إلى المنزل ويسمح له الوالدان بمشاهدة ابنته من فتحة الباب الموارب أو من خرم المفتاح دون أن تعرف هي ذلك، وبعدها (يا صابت يا خابت)، ويا دار ما دخلك شر.

وأذكر أن أحدهم قد حكى لنا أنه قد خطب فتاة ووافق والدها أن يراها ويجلس معها. بعدها يقول: الواقع أن الفتاة لم تدخل مزاجي (لا شكلا ولا موضوعا)، وانتهى اللقاء، وفي اليوم الثاني اتصلت بوالدها معتذرا، وبعد عدّة أيام اتصل بي والدها تليفونيا يطالبني بألف ريال، وذلك لقاء مشاهدتي لابنته لمدة نصف ساعة.

ولا بأس أن أعيد وأحكي لكم عن ذلك المليونير الذي سمع عن فتاة غاية في الجمال، وخطبها من والدها ووافق على الفور وكذلك ابنته وافقت، غير أن المليونير أصر على رؤيتها، وفعلا حضر في مجلس العائلة وما إن دخلت عليه حتى صعق من روعة جمالها وخرج وهو يقهقه من فرط السعادة، ثم اتصل بوالدها ليسأله عن المهر الذي يطلبه، فأخذ الأب يعتذر قائلا له: إنك بإصرارك - الله يهديك - على المشاهدة، أفسدت على نفسك كل شيء.

ولكي أوضح للقارئ ما حصل: فالفتاة الجميلة عندما شاهدت المليونير الذي يتمتع بـ(الميدالية الذهبية) في البشاعة وقباحة الوجه صدمت (ورأسها وألف سيف) أنها لن تتزوجه.

حاول بعدها المليونير بشتى الوسائل وشتى الملايين أن يغريها ولكن دون فائدة.

وانطبق عليه المثل القائل: جنت على نفسها براقش.

[email protected]