نهضة الكاريكاتير

TT

شكرا لنهضة الكاريكاتير العربية على يد فرسانها الجدد في مصر والوطن العربي كافة؛ الذين يملأون الساحة الصحافية بالعزاء في لحظات احتياجنا المُلِح للمواساة، ويؤسفني أنني لا أستطيع أن أخص بالذكر أحدا، فذاكرتي لا تستطيع أن تحصي أسماء كل من لهم الفضل في إبهاجي والتربيت على قلبي.

كاريكاتير الرأي، إن جاز لنا هذا المصطلح، يلخص ويكثف ويوجز رسالته؛ فما هو في حجم الفيل يصوره لنا في منديل، و«يعدي» به البحر من دون ابتلال لأنه في بطن فنانه!

لا أدري ماذا كنت أفعل بالصحف من دون فناني كاريكاتيرها، كان هناك سؤال قديم من زمن بدايتي الصحافية عام 1955 هو: لماذا لا توجد رسامة كاريكاتير؟ ووقتها أفتى من أفتى بأقوال عديدة لم يقنعني منطقها وإن ظلت الظاهرة قائمة رغم محاولات لبعض الفنانات لسد الخانة، إلا أن سد الخانة لم يكن هو المطلب، فبروز رسامة كاريكاتير كان يتوجب له توفر الندية الباهرة مع سائر المتألقين في هذا الفن الصعب، وهذا ما حققته حاليا في مصر رسومات فنانة شابة اسمها دعاء العدل.

في طفولتي كان بطلي الكاريكاتيري فنان أجنبي اسمه «بِرْني» يملأ إصدارات «دار الهلال» برسومات تضحكنا قبل قراءة تعليقها اللفظي، نعرفه من شخوصه من دون حاجة إلى توقيعه، وكنا في حياتنا اليومية حين نريد أن نحدد وصفا تهكميا لبعض الناس نقول: «زي اللي بيرسمهم بِرْني!»، ومعه كنت أتابع شريط كاريكاتير الفنان رخا في الصفحة الأخيرة من «أخبار اليوم» منذ صدورها في نوفمبر (تشرين الثاني) 1944، ولم أكتشف صاروخان إلا بعد أن انضم إلى دار «أخبار اليوم»، بعدها انهمرت علينا الولائم الكاريكاتيرية الفاخرة، «من أفكارنا بإيد أولادنا»، صناعة مصرية مائة في المائة رائدها الفنان عبد السميع، ووراءه رهط بديع ازدهرت به مجلة «صباح الخير»، عندما كانت بحق للقلوب الشابة والعقول المتحررة من الركاكة والسماجة والتطاول والتجاوز بلا مبرر تحت قيادة أستاذنا المفتقد أحمد بهاء الدين عند إنشائها في يناير (كانون الثاني) 1956.

بصدور مجلة «صباح الخير» صار لفن الكاريكاتير المصري وطن نهرع إليه للاستجمام والاستشفاء على يد موهوبين في العلاج الطبيعي على رأسهم: صلاح جاهين وبهجت عثمان وحجازي وإيهاب شاكر وصلاح الليثي وغيرهم، بخطوطهم المختلفة وزواياهم المتعددة وتنافسهم الصِحي، يملأون صدورنا بالضحك المنقذ من الضلال في متاهات الالتباسات السياسية المصاحبة لنا عبر العهود والسنوات؛ وما زلت لا أنسى لحجازي لقطته في مواجهة المستهينين بمقاومة الشعب الفيتنامي ضد العدوان الأميركي في الستينات عندما صور جالستين على طبلية تنقشان كحك العيد وتقول واحدة منهما غامزة للأخرى متباهية باستعلاء واستنكار: «بقى هُمّا في فيتنام يعرفوا ينقشوا كحك زينا؟!».

لا أنسى فضل الكاريكاتير علي أبدا فهو نعمة من نعم الله أبحث عنها ولو في أميركا، وكنت قد وجدتها عندما كنت هناك في الستينات لدى رسام أميركي رائع اسمه «فايفر»، وآخر لا أذكر اسمه كان يقدم سلسلة «بينتس»، أي فول سوداني، ويرمز عندهم إلى من لا عقل له ولا فهم.

لاحظوا أني لم أنطق بعد كاريكاتير بكلمة «سياسي»، فالكاريكاتير في كل أحواله كذلك!