ترجمة السلام في إسرائيل!

TT

بينما يستخف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعقول العالم «وينصاع» للضغوط الموجهة إليه، فيعلن قبوله «للتجميد المؤقت» للاستيطان ومواصلة البناء في الضفة الغربية فقط، وباستثناء القدس، يلقى مكافأة كبرى، وهي تسهيلات وعتاد عسكري مهول يقدر بالبلايين من الدولارات من الولايات المتحدة الأميركية، كل ذلك على حساب دافع الضرائب الأميركي، وفي ظل كساد اقتصادي خطير ونسب بطالة غير مسبوقة بها. ولكن سياسة التهويد في الداخل الإسرائيلي تبقى السر القذر الذي لا يتحدث عنه أحد بالقدر الكافي، نظرا لإشغال الناس بالاستيطان وإيقافه مؤقتا في الضفة الغربية، ثم العودة للبناء مجددا!

ولعل أحد الأمثلة الصارخة لسياسة التهويد القسري في الداخل الإسرائيلي، هو ما يحدث في مدينة اللد التي تقع على ضواحي أغنى المدن الإسرائيلية وأكبرها تل أبيب. فأعضاء المجلس البلدي قدموا اقتراحا بـ«تقوية» الوجود السكاني للمدينة باستقطاب أعداد كبيرة من اليهود إليها، وقدموا بندا جديدا للمدينة، وهو أن يقسم سكانها الولاء لإسرائيل كدولة يهودية حصريا، بالإضافة إلى إجراءات موجهة إلى السكان العرب، مثل «حذف» أن اليهود هجروا العرب من ديارهم بعد حرب 1948، وهي النسخة الفلسطينية (والحقيقية!) لما جرى وهي التي كانت تدرس في الكتب التعليمية الفلسطينية، يضاف إلى ذلك أن المسؤولين في اللد قرروا نقل الحرب النفسية الموجهة ضد الفلسطينيين من حدود المناطق المحتلة في حرب 1967 إلى الداخل الإسرائيلي وتقليد السور المشيد على الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية، وهو السور الذي أثار جدلا وسخطا هائلا في الرأي العام العالمي.

واليوم يشيد نموذج مصغر له داخل مدينة اللد نفسها للفصل العنصري بين سكان ومواطني إسرائيل أنفسهم: العرب في جهة، واليهود في جهة أخرى!.. يبلغ ارتفاع الجدار ثلاثة أمتار وغايته منع توسع الأحياء العربية في المدينة، ويلقى هذا المشروع الدعم والاهتمام والمتابعة الشخصية من رئيس الوزراء نتنياهو، إضافة إلى دعم وزير خارجيته المسعور أفيغدور ليبرمان الذي يشجع بناء وحدات سكنية للجنود في المدينة، وكذلك وزير الداخلية الأشد تطرفا هو الآخر، وهو زعيم حزب «شاس» المتشدد ايلي يشاي، حيث يمنح حقوق البناء للمساكن الجديدة بشكل حصري للمتشددين من اليهود المتدينين، ولا يخجل مسؤولو المدينة من وضع لوحات في الطرق العامة، وهي تعلن بصريح العبارة أن المدينة «لأجل الصهاينة المتدينين»، ويؤكد هذا التوجه العنصري الكريه كبير حاخامات اللد حائيم حداد.

كل هذه الإجراءات هي لأجل ضمان وتأمين بقاء اللد مدينة يهودية خالصة، علما بأن حائيم حداد كان واحدا من أوائل من استفادوا من هذه الإجراءات الجديدة التي أمنت له مسكنا خاصا. رامات أشكول مجمع سكني ضخم بناه اليهود عقب احتلالهم مدينة اللد في 1948 وأقيم لتوطين المهاجرين اليهود إليه، اليوم تحول إلى مستنقع سكاني قذر مليء بالفضلات والقمامة يسكنه العرب، ولا تصل إليه الخدمات ولا تقدم له وسائل تطوير المستويات المعيشية التي تتوافر للأحياء اليهودية الأخرى بالمدينة نفسها، وهو على حال أسوأ من أحياء غزة الفقيرة بكثير، بحسب آراء منظمات الإعاشة والإغاثة الدولية، وتفتخر المدينة بأن قوام الشرطة البالغة 120 شخصا «خال من المسلمين»، ولكن به دروز ويهود.

حال مدينة اللد هو مرآة دقيقة جدا تعكس الواقع الحاصل في الضفة الغربية.. التوتر نفسه، القلق الموجود بين الفلسطينيين والإسرائيليين نفسه هو الحاصل بين عرب 1948 واليهود. فاليوم يسمي العرب من سكان 1948 كل اليهود الجدد القادمين إلى اللد «المستوطنين»، ويؤكدون أنهم يتم دفعهم بالتدريج إلى خارج كل المدن المهمة في الداخل الإسرائيلي حتى يتم «تجميعهم» في جيوب ضعيفة Soft Pockets يسهل التحكم فيها من الجهة الإدارية، ومن الجهة الأمنية والعسكرية، ومن الجهة اللوجستية، والأخطر والأهم هو «نوعية» السكان الأكثر تشددا وتطرفا وعنصرية وعنفا. وبنظرة سريعة على الأصوات التي حصل عليها حزب ليبرمان (إسرائيل بيتنا) في الانتخابات الأخيرة، وهو الحزب المعروف بأنه الأكثر كراهية للعرب والأكثر تشددا، نجد انه حصل على 22 في المائة من أصوات اليهود في مدينة اللد، أي ما يعادل ويفوق ضعفي معدل الأصوات التي حصل عليها في المعدل العام بإسرائيل كلها.

ما يحدث في مدينة اللد بإسرائيل هو عينة ونموذج مصغر لمخطط اليمين المتطرف الإسرائيلي بزعامة نتنياهو من حزب «الليكود وليبرمان من حزب «إسرائيل بيتنا»، وطبعا حزب «شاس» بزعامة يشاي لتفريغ إسرائيل من عربها وفلسطينييها وتهويد الأرض. الحديث الإسرائيلي عن السلام لا علاقة له بما يحدث على الأرض!

[email protected]