عيد

TT

انتهى أمس عيد الأضحى المبارك، ومع العيد يكون التجديد والتحضيرات المتلهفة، هكذا كنا نعمل صغارا، كانت للعيد استعدادات من نوع خاص: الدشداشة (الثوب) الجديدة والحذاء الجديد وحلاقة الشعر والاستحمام صباحا، وترقب العيدية؛ وهي في الغالب مبلغ مالي. «كم حصّلت؟» سؤال يكرره الصغار بعضهم على بعض بنهاية العيد، أي كم جمعت من العيديات.

للعيد معان ومشتقات؛ المعاني عميقة، والمشتقات كثيرة. فهو مشتق من كلمة عاد، وتأتي بمعنى الرجوع، وبمعنى الزيارة: عيادة المريض، ومنها اشتقت العيادة بمعنى المصَحّ الصغير، وانتشرت كلمة «عيد» كاسم علم في دول عربية كثيرة، لأن الناس تستبشر بالعيد، وكذلك اسم «عايد» في الخليج والجزيرة العربية، و«عايدة» اسم علم مؤنث في مصر وبلاد الشام، و«عودة» و«عواد» في العراق والخليج، وحق العودة للفلسطينيين.

والعَوْد بمعنى الرجل المسن، وهو الرجل الكبير بمرجعيته بلهجة أهل الخليج. وأشهر المقابر في الرياض تسمى مقبرة العود. والشيخ العود بالكويت تعني «أمير البلاد». ولعل كلمة «معوّد» المنتشرة باللهجة الكويتية جاءت من الترجي بأنك «معوّد» أي رجل يمكن أن يعود عن رأيه ويتراجع لتقبله الرأي الآخر. ولعلها أقرب إلى المثل العربي: «عدنا والعود أحمد»، أي أفضل لنا أن نعود على أعقابنا، أو أن نعود عن هذا الأمر ونتخلى عنه.

وانتقد الشاعر الغزلي الشعبي «بصري الوضيحي» من أتى به لمشاهدة الصبايا الملاح، فقال:

التايه اللي جاب بصري يقنّه

هيّض جروح العود والعود قاضي

وهو يلوم من أتى به ليذكره بأيام الشباب الخوالي من دون قدرة على الحب والغزل، فالعَوْد قد قضى أمره وانتهى.

و«العادة» اشتقت من عمل الشيء والعودة على عمله تكرارا، ويقال «عادت حليمة لعادتها القديمة»، و«الموعد» هو التوقيت لعمل شيء ما، وهو في لهجة أهل الخليج يرتبط بالموعد الغرامي، وهو في مصر «المَعَاد أو الميعاد»، و«فات المعاد» من أشهر أغاني أم كلثوم. وجمع الموعد مواعيد، والمثل العربي «مواعيد عرقوب» يقال في من لا ينفذ وعوده.

«الله لا يعيدها»، أي الله لا يعيد تلك الحادثة ولا يكررها، ولكن الناس تدعو في العيد بأن يعود ثانية ويفرح به الناس، فتحية العيد الغالبة في منطقة الخليج هي «عيدكم مبارك» وعادة ما يكون الرد «عساكم من عايد العيد واليوم السعيد»، أو «عساكم من العايدين الفايزين».

و«العُود» جمعها «عيدان»، ومنها اشتقت آلة العود الموسيقية، وقد غنى الناس للعيد بهجة وحسرة، فغنى القدماء شعبيا لبهجة العيد: العيد العيد الله عالعيد».

وغنى محمود الكويتي:

العيد هل هلاله

كل الطرب يحلاله

كما تغنى المطرب البحريني سلمان زيمان بالعيد:

أقبل العيد حبيبي

وشدا الطير وغرّد

لكن المتنبي نظم قصيدة حسرة شهيرة في العيد مطلعها:

عيد بأي حال عدت يا عيد؟

بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟

وقال شاعر شعبي متواجدا على فراق حبيبته:

العيد عيد الناس مالي أنا عيد

لا صار من تهواه ناوي القطاعة

ولفرحة العيد وخصوصيته، غنى محمد مرشد ناجي لعمرو بن كلثوم الذي طلب من محبوبته قبلة مدعيا أنها من سنن العيد فقال: «قبلة العيد يا فتّان سنة».

ومن مشتقات عاد «العود»، وهو البخور في مجالس العرب، وغالبا ما يكون إشارة انتهاء الضيافة، فيقال: «ما عقب العود قعود». والعيد يعني يوم فرح، فقد تعددت الأعياد غير الدينية في تراثنا، فكان عيد الميلاد وعيد الأم وعيد الربيع وعيد الحب. كان أبي - رحمه الله - يرحب بالضيوف أثناء عشائهم معتبرا حضورهم عيدا: «السنة فيها عيدان، واليوم هو الثالث».

عيدكم مبارك، وعساكم من عواده.