الانسحاب المحير من الغجر!

TT

الغجر بلدة لم تشكل شأنا، إلا في بضع مناسبات تكرر خلالها اسمها في سياق التأكيد على المقاومة وشرعيتها في استمرار احتلال إسرائيل لمناطق لبنانية.

لا نفهم بعد لماذا قرر الإسرائيليون إعادتها مجانا، دون مقابل، مثل إعادة جثامين أو اتفاقات إضافية أو غيره. وبالتأكيد لم يحدث أن تنازلت إسرائيل عفويا وبطيبة قلب عن متر تحتله، بل كل الانسحابات التي جرت تمت في ظروف محسوبة، ولها ثمن ما، أو جاءت نتيجة مقاومة مستمرة. لكن لا حرب ولا مواجهات ولا صواريخ ولا مظاهرات ولا مبعوثين، ومع هذا فإسرائيل تستعد لإعادة الغجر إلى أصحابها!

ومع أن اللبنانيين والسوريين اختلفوا على تبعية وهوية أهلها، فإن الخلاف لن يكبر، والأرجح أن يحسم قبل أن ينسحب آخر جندي إسرائيلي منها. لكن سيبقى السؤال: لماذا انسحب الإسرائيليون مجانا؟!

الإجابة الوحيدة التي تدعو للقلق، وشاعت كثيرا، أن إسرائيل تعتزم، في حال شن حرب على لبنان، أن تقدم الدليل الكافي على أنها التزمت بكل ما تعهدت به من انسحابات، وأن الهجوم من حزب الله أو بسببه، عندما يقع، سيصنف اعتداء لا مقاومة محتل، أي أن الانسحاب السعيد ينذر بأيام أسوأ، أو هذا ما يمكن أن يوحي به الاستنتاج السابق. أمر أشك فيه كثيرا، لأن إسرائيل لها أسلوبها في معالجة الخلافات، ولم يسبق أن مهدت لعدوان بتنظيف ملفها القانوني، فهي دائما تجد الحجة الكافية، وغالبا حجتها أمنية، وبالتالي فهي ليست مضطرة إلى الانسحاب من أجل تبرير حرب مقبلة.

إذن، هل هناك اتصالات جارية غير معلنة أنجبت هذا العمل الرمزي؟ أيضا أستبعد ذلك، لأن الإسرائيليين لا يحبون أن يقدموا الهدايا بلا ضوضاء.

فعلا عجزت عن فهم السبب الحقيقي رغم كثرة التأويلات التي لا تمت أي منها إلى التفكير الإسرائيلي النموذجي، وهذا يعني أن علينا أن نتعامل مع الانسحاب على أنه نتيجة إيجابية، وليس بالضرورة مقدمات نذير شر، حتى يثبت العكس. لقد نفذ الإسرائيليون في الماضي انسحابات مختلفة، ليس على غرار خروج الغجر الموعود، أبرزها انسحابهم أحاديا من غزة. وقد قوبل رحيلهم حينها بالتشكيك والاستنكار من قبل مجموعات أبرزها حركة حماس التي تحكم غزة اليوم. لكن غزة كانت مشكلة بالنسبة إلى الإسرائيليين، وثبت مع الوقت أنهم الكاسب الأكبر، حيث لعبت غزة كأكبر عامل فرقة بين الفلسطينيين، وتحولت إلى بؤرة توتر، وبانسحابهم نقل الإسرائيليون المشكلة إلى الكاهل الفلسطيني. وكما نرى، البعض صار يتمنى أنها لم تحرر، حيث توقفت عن دورها القديم في مواجهة المحتل، وتحولت إلى نموذج تخوف به إسرائيل بقية العرب؛ غزة المتمردة على النظام السياسي العربي المركزي.

[email protected]