منذ صدور الكتاب

TT

ذهب آلان بيرفيت، وزير ديغول للإعلام، إلى الصين للمرة الأولى عام 1960، ثم ترأس بعثة غربية رسمية إلى هناك عام 1971. وكانت الحصيلة في ما بعد كتابا ضخما بعنوان «الإمبراطورية المتجمدة»، أو «صدمة العالم». كانت الصين التي رآها بيرفيت آنذاك لا تزال «مغلقة» مثل طابة بلياردو، أي كما رآها ووصفها في القرن الثامن عشر المبعوث البريطاني اللورد مكارتني: «بلد مغلق بإحكام ممنوع فيه أي تجديد أو أي مبادرة.. تكفي العودة دائما إلى سلوك وأفكار السابقين». توقف الصينيون عند أفكار كونفوشيوس وتعاليمه التي قامت على التجارب الماضية. ما قيل قد قيل، ومن الأفضل عدم تغيير أي شيء. ومن أجل عدم التغيير يجب عدم المبادلة.. تماما بعكس ما نصحهم به الإنجليز الذين قالوا لهم إن في التجارة الاثنين يربحان، البائع والمشتري، تماما كما في الزواج. لكن الصين ظلت تحتقر التجار، وتحذر المفاوضين، وترفض الاختراعات القادمة من الخارج، وهكذا انكفأت على نفسها تنمي جميع أشكال التجارة الداخلية، وتسد الأبواب في وجه كل ما هو خارجي.

أذهل بيرفيت عام 1960 أن شيئا لم يتغير في الصين منذ أيام اللورد مكارتني وزمن الإمبراطور كين لونغ. فهي لا تزال مكتظة بالسكان أكثر من طاقتها، مهددة دائما بالبؤس أو انفجار الفوضى. ولا يزال الطب فيها قائما على الإبر والأعشاب.

يقول بيرفيت عن مشاهدات عام 1960 إن «ماو حل بكل بساطة مكان كين لونغ. كل شيء مرتبط بإرادته، وكل سلطة هي سلطته وحده. ومن أجل الإدارة اليومية كان على رئيس الوزراء أن يترجم (أفكار الإله)، وأن يتسلل كالذئب بين المؤامرات والأجنحة، لا سند له سوى ثقة الرجل الأعلى».

ماذا لو أراد بيرفيت أن يضع كتابا آخر عن الصين اليوم.. الصين التي تبتدع وتخترع وتفتح جميع أبوابها ونوافذها وموانئها للتجارة مع الخارج؟.. ماذا عن الصين التي ستدفع في السنوات القادمة 470 مليار دولار ثمن أسطولها التجاري الجوي؟.. وماذا عن الصين التي لا ماو فيها ولا كين لونغ، بل مجموعة من الحكام تتغير قبل أن يحفظ العالم الخارجي أسماء أعضائها؟.. ماذا عن الصين التي تمتلئ شوارعها بالقادمين من أنحاء العالم لإقامة المكاتب التجارية وحضور المعارض الدولية؟ المذهل أن هذا التغير الهائل لم يحدث منذ أيام كين لونغ، لكن منذ صدور كتاب بيرفيت منتصف الثمانينات.