28 وباليد واحد!

TT

إذا كنت تتعجب من العنوان، فيجب أن يكون كذلك رد فعلك وأنت تقرأ أن وثيقة اتفاقية نظام الدرع الصاروخية التي أقرتها قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أول من أمس في لشبونة، ليس المقصود الأبرز فيها إيران.

فنظام الدرع الصاروخية المثير للجدل، والذي تعتبره واشنطن أولوية لها، جوبه بتحفظ من قبل تركيا، العضو الوحيد من منطقة الشرق الأوسط في الحلف، وذلك تحفظا على ورود اسم إيران، وعليه وبعد مشاورات داخل الحلف تم الاتفاق على عدم الإشارة إلى طهران من أجل أن يوافق الأتراك، فهل ذلك يعني أن إيران ليست المستهدفة بنظام الدرع الصاروخية؟

بالطبع لا، فحلف «الناتو» يشمل 28 دولة أوروبية، وكذلك أميركا وكندا، يضاف إليها تركيا، ويؤسس لشراكة مع الروس، ولديه لجان مع عدة دول خليجية، وعربية، وحتى إسرائيل، فمن المستهدف إذن؟ بالتأكيد أن إيران على رأس القائمة، وما إزالة اسم طهران من الوثيقة إلا إجراء شكلي لرفع الحرج عن الأتراك من أجل الانضمام إلى الاتفاقية، وها هو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يقول صراحة: «لم تأت الوثائق العامة للحلف الأطلسي على ذكر أي اسم، لكننا نسمي الأمور بأسمائها.. وخطر الصواريخ اليوم متمثل في إيران».

فالواضح أن الأتراك قد غلبوا مصالحهم على الشعارات، وهذه «شطارة» تركية، كما أنها رسالة لدول المنطقة، وتحديدا السعودية ومصر، لوجوب إعادة التفكير مليا في دول مثل تركيا وباكستان، وهذا أمر سنخصص له مقالا، بدلا من إضاعة الوقت مع دول لا تأثير حقيقيا لها في المنطقة. فما فعله الأتراك حق مشروع، بل وعين العقل، فالسياسة مصالح، وواجب الأتراك حماية مصالح بلادهم، وشعبهم، وذلك على عكس ما يفعله الساسة الإيرانيون، وعلى رأسهم الرئيس الإيراني الذي قاد العالم، بأخطائه وشعاراته السياسية، للتوحد ضده، بينما أخفق في توحيد شعبه خلفه. فقبل 17 يوما انتقد أحمدي نجاد روسيا على عدم التزامها بتسليم بلاده صواريخ «إس - 300»، وقال نجاد يومها: «لقد باعونا إلى أعدائنا!».

في ذلك اليوم كنت على موعد، في لندن، مع شخصية إيرانية ذات ثقل، وسألته عن رأيه فيما قاله نجاد، فنظر إليّ بذهول قائلا: «معقولة؟! جنون!.. ألا يعلم أن السياسة مصالح؟!»، واليوم وبعد أن وافق الأتراك على وثيقة اتفاقية نظام الدرع الصاروخية، فهل ستقول طهران أيضا إن الأتراك قد باعوهم لأميركا؟ للإيرانيين أن يقولوا ما يشاءون، لكن الأحداث، بل والمنطق، يقولان إن أحدا لن يحارب حرب إيران، وإن أحدا لن يتبرع بتسديد فاتورة طهران الباهظة، بل إن حلفاء طهران في المنطقة سيبيعونهم عند أول منعطف حقيقي، سواء مواجهة عسكرية ضد إيران، أو حدوث زلزال سياسي داخل طهران نفسها.

هذا هو الدرس الأهم من الموقف التركي في قمة لشبونة، وليس وضع اسم إيران أو إزالته من وثيقة الاتفاقية الخاصة بنظام الدرع الصاروخية، فالأوروبيون، والأميركيون، والأتراك، ومعهم روسيا، جميعهم التقوا عند مصالحهم، والخاسر الأكبر هو إيران بالطبع.

[email protected]