نحن لا نريد حربا جديدة في الشرق الأوسط

TT

في حال نجحت إيران في أن تصبح دولة نووية في السنوات القليلة القادمة، كما يبدو ذلك مرجحا، فإن احتكار إسرائيل للأسلحة النووية في الشرق الأوسط، الذي دام لأربعة عقود، سيكون قد انتهى فعليا، لكن تفوقها العسكري على إيران لن يكون كذلك. وسوف تظل إسرائيل القوة العسكرية المهيمنة في هذه المنطقة في المستقبل القريب، ولن تكون بحاجة إلى مهاجمة إيران لضمان أمنها.

وإسرائيل هي الدولة الأكثر شعورا بالتهديد من الطموحات النووية الإيرانية، ولديها أسباب وجيهة لذلك، فمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله روح الله الخميني هو أول من دعا إلى محو إسرائيل من خريطة الشرق الأوسط، وهو الذي أرسل الحرس الثوري إلى لبنان عام 1982 لتأسيس حزب الله. ولكنه مع ذلك كان نفعيا بما فيه الكفاية، ليقوم بشراء الأسلحة من إسرائيل خلال الحرب مع العراق. كما دعا الرئيس الإيراني الحالي إلى تدمير إسرائيل أكثر من مرة، كان أكثرها إثارة للقلق خلال زيارته للبنان في الشهر الماضي. ومن المعتقد أن إسرائيل تقوم اليوم بدراسة جدوى توجيه ضربة عسكرية إلى إيران.

وتشير تقديرات مراكز الأبحاث الدولية إلى أن إسرائيل تتملك الآن نحو 100 قنبلة نووية، وربما ضعف هذا العدد. كما لن يكون بمقدور إيران، حتى في إطار برنامج جبار، امتلاك مثل هذه الترسانة لسنوات كثيرة وربما لعقود.

ولدى إسرائيل نظم متعددة لحمل وتوصيل أسلحتها النووية إلى أهدافها، فهي تمتلك منظومة صواريخ باليستية متوسطة المدى، تطلق عليها اسم «أريحا»، قادرة على الوصول إلى أي هدف داخل إيران، كما يستطيع أسطولها من طائرات «إف 15» بعيدة المدى حمل رؤوس نووية. ويرى بعض المحللين أن بإمكان إسرائيل أيضا إطلاق أسلحتها النووية من غواصاتها «دولفين» الألمانية الصنع، باستخدام صواريخ كروز. وهذا هو واقع توازن القوى في الشرق الأوسط، ولكن نادرا ما يتحدث أحد في العلن عن ذلك.

كما سيستمر تفوق إسرائيل أيضا في الجانب العسكري التقليدي على إيران وباقي دول المنطقة، وسلاح الجو الإسرائيلي قادر على اختراق أنظمة الدفاع الجوي بأمان شبه تام، وقد ثبت ذلك عام 2007 عندما دمرت الطائرات الإسرائيلية المنشأة النووية السورية الوليدة. والاستخبارات الإسرائيلية وقطاعات الحرب الإلكترونية متفوقة بصورة كبيرة على خصومها المحتملين، فالأقمار الصناعية الإسرائيلية تزودها بتغطية شاملة للمنشآت الإيرانية بصورة يومية، وهي ميزة كبيرة في الحروب الحديثة.

أما إيران فلم تقُم قَط بإعادة بناء قواتها العسكرية التقليدية بشكل كامل من الأضرار التي لحقتها خلال الحرب مع العراق، ولا تزال تعتمد قواتها الجوية بصورة كبيرة على معدات تعود لفترة حكم الشاه. وعلاوة على ذلك فإن حزمة العقوبات الجديدة التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1929، تفرض حظرا صارما على بيع الأسلحة إلى إيران. ويحظر هذا القرار بيع أو نقل، تقريبا، كل أنظمة الأسلحة الكبرى، التي من بينها الدبابات والطائرات والسفن الحربية والصواريخ، إلى إيران، كما يحظر هذا القرار تقديم التدريب والمساعدات الفنية لإيران في ما يتعلق بكل أنظمة التسلح. وبعبارة أخرى، حتى لو سعت إيران لتحسين قدراتها العسكرية التقليدية في السنوات القليلة المقبلة، بمساعدة من بعض الموردين الأجانب، وكان لديها المال الكافي لذلك، فإن العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة ستجعل تحقيق ذلك أمرا شبه مستحيل. ولا تمتلك إيران القدرة على إنتاج أسلحة حديثة بمفردها، على الرغم من مزاعمها المتكررة حول تحقيق الاكتفاء الذاتي. وبهدف تعويض نقط الضعف هذه، قامت إيران ببناء قدرة غير منتظمة لكنها مثيرة للإعجاب من الصواريخ والإرهابيين لكي تكون قادرة على التهديد برد كبير في حال تعرضها لأي هجوم.

وأخيرا، فإن إسرائيل سوف تستمر في الحصول على دعم من الدولة العظمى الوحيدة في العالم على المدى المنظور. والدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل يضم ما يقرب من 3 مليارات دولار تقدم في شكل منح سنوية لا ترد. وهذا هو أطول برنامج للمساعدة المالية في التاريخ الأميركي، ويعود تاريخه إلى حرب عام 1973، ولم يحدث قَط أن توقفت الولايات المتحدة عن تقديم هذه المنحة لإسرائيل، كما لم يعترض عليها أحد في الكونغرس، وذلك يسمح لمسؤولي التخطيط في إسرائيل بإعداد خطط شراء الأسلحة لعدة سنوات وهم على يقين من توفر المال المطلوب لذلك.

والمساعدات الأميركية لإسرائيل تتجاوز بكثير مجرد المساعدات المالية، فوزارة الدفاع الأميركية وجيش الدفاع الإسرائيلي يشاركان في عملية مستمرة لتبادل الخبرات الفنية المتعلقة تقريبا في كل الجوانب العسكرية للمعارك الحديثة. وبرنامج الدفاع الصاروخي مركز لهذا التبادل منذ أكثر من 20 عاما. ويشير مسؤولون في واشنطن وتل أبيب إلى أن إدارة أوباما قد قامت بتعزيز وتوسيع نطاق هذا التعاون، والعرض الأميركي الجديد لتزويد إسرائيل بـ20 طائرة من طائرات «F35» الحديثة يوضح ذلك. والولايات المتحدة وإسرائيل لديهما أيضا علاقات استخباراتية قوية ودينامية تساعد على ضمان التفوق النوعي لإسرائيل.

والدعم الأميركي لإسرائيل مستمر على الرغم من رفض إسرائيل التوقيع على معاهدة عدم الانتشار النووي. ومنذ عام 1969 تؤيد الولايات المتحدة ضمنيا امتلاك إسرائيل للرادع النووي من خلال إمدادها بطائرات عالية التقنية من دون اشتراط توقيعها على معاهدة حظر الانتشار النووي. وقد دعم كل رؤساء الولايات المتحدة - منذ الرئيس ريتشارد نيكسون - إسرائيل بهدف الحفاظ على تفوقها النوعي على خصومها المحتملين. وأكد الرئيس أوباما لإسرائيل على هذه الالتزامات في وقت مبكر من ولايته حتى عندما أطلق مبادرته من أجل عالم خالٍ من الأسلحة النووية.

وفي المقابل فإن إيران لا توجد لديها قوة كبرى تزودها بمساعدات مالية. وأدت حزمة العقوبات الأخيرة إلى قطع علاقاتها العسكرية مع روسيا والصين. وحليفها العسكري الوحيد هو سورية، وهي ليست قوة بالضبط.

والتحدي الإيراني يشكل خطرا جديا على المنطقة وحتى على الاستقرار العالمي، وينبغي التعامل معه في سياق كامل من التوازن الحقيقي للقوى في المنطقة. والأطراف المشاركة في مثل هذا النقاش لا يمكنهم ادعاء أن إسرائيل دولة ضعيفة أو عاجزة، ولكن يجب عليهم أيضا التعامل مع المخاوف الإسرائيلية المشروعة من التهور الإيراني.

وخلال الانتخابات التمهيدية لانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2008، اقترحت عضو مجلس الشيوخ آنذاك هيلاري كلينتون توسيع المظلة النووية لتغطي إسرائيل وغيرها من البلدان التي تشعر بالتهديد، وذلك لردع إيران، وهذه فكرة جيدة سيكون هناك حاجة إليها قريبا.

* زميل بارز في معهد بروكينغز.. ومستشار سابق لأربعة رؤساء أميركيين حول قضايا الشرق الأوسط خلال عضويته لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض