هدف زائف داخل اليمن

TT

القاهرة - في مطلع الأسبوع قبل الماضي، وبينما كانت محكمة فيدرالية داخل واشنطن تنظر في حجج بشأن قرار إدارة الرئيس باراك أوباما السماح بقتل أميركي على علاقة بتنظيم القاعدة، كان الرجل الذي يمثل لب القضية يدلي بقوله. ففي نفس اليوم - الموافق 8 نوفمبر (تشرين الثاني) - ظهر أنور العولقي في مقطع فيديو استغرق 23 دقيقة يقول «لا تستشيروا أحدا في قتل أميركيين، فقتال الشيطان لا يستلزم حكما دينيا».

وأضفى التزامن مع توقيت بث مقطع الفيديو أهمية على القضية التي وصفها القاضي بأنها «استثنائية وفريدة من نوعها». والحق أقول إنها قضية فريدة من نوعها. لكن في واقع الأمر لا يحظى العولقي بأهمية كبيرة في ما يتعلق بالأمن الأميركي. وعلى عكس ما جعلتنا إدارة أوباما نعتقد، دائما ما كان العولقي شخصية ثانوية داخل تنظيم القاعدة، وجعله الآن في مكانة كبيرة يؤتي بنتائج عكسية.

غادر العولقي، الذي ولد في نيو مكسيكو لأبوين يمنيين عام 1971، الولايات المتحدة للأبد عام 2002، وفي نهاية المطاف استقر داخل اليمن عام 2004. ويعتقد أنه يختبئ في محافظة شبوة الجنوبية، حيث يمتد نفوذ قبيلته العوالق.

وقد أثارت الدعوى القضائية الفيدرالية - التي رفعها اتحاد الحريات المدنية الأميركي ومركز الحقوق الدستورية، بناء على طلب من والد العولقي - نقاشا على نطاق أوسع بشأن ما إذا كان يجب السماح للحكومة بأن تغتال أميركيا في دولة ليست في حالة حرب ضد الولايات المتحدة. وتقول الإدارة إن الرئيس له السلطة الوحيدة بشأن القيام بهجمات، فيما يقول الجانب الآخر إنه يتعين إجراء مراجعة قضائية لهذا الأمر.

حقا إنها قضية قانونية محيرة تستحق النقاش، لكن يجب ألا يبقى أحد أسير افتراض خاطئ يقول إن قتل العولقي يجعلنا نوعا ما في وضع أكثر أمنا. كما أن العولقي بعيد كل البعد عن المكانة الإرهابية التي رسمها له الغرب. وفي الواقع، فإنه لا يتزعم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، إذ إن زعيم هذا التنظيم هو ناصر الوحيشي، الذي كان سكرتيرا شخصيا لأسامة بن لادن على مدى أربعة أعوام داخل أفغانستان.

كما أن العولقي لا يشغل منصب نائب زعيم التنظيم، حيث إن هذا المنصب يشغله سعيد علي الشهري، وهو معتقل سابق في خليج غوانتانامو ورُحِّل إلى السعودية عام 2007، وأدرج في برنامج «إعادة تأهيل الإرهابيين» (ومن الواضح أن العلاج لم يؤتِ الثمرة المطلوبة).

كما أن العولقي ليس الشخصية الدينية الأبرز في التنظيم (عادل العباب) ولا المسؤول عن العمليات العسكرية (قاسم الريمي) ولا المسؤول عن تصنيع القنابل داخل التنظيم (إبراهيم حسن عسيري) ولا حتى منظر التنظيم (إبراهيم سليمان الروبايش).

والعولقي شخصية دينية من الطبقة الوسطى، تصادف أنه يحمل الجنسية الأميركية ويجيد التحدث باللغة الإنجليزية، وقد جعل ذلك منه تهديدا دعائيا، لكنه ليس بالشخص الذي يمكن، بالتخلص منه، الحد من مدى فرع تنظيم القاعدة.

كما أنه ليس بارعا على نحو خاص في ما يقوم به، وليس مشهورا داخل اليمن. وإنتاجه الشهير عبارة عن سلسلة خطب ومحاضرات مطولة تحمل اسم «ثوابت على طريق الجهاد»، تؤكد على الطبيعة العالمية للجهاد: «إذا كان ثمة شعوب أو دول تصنف على أنها (دار حرب) في الشريعة، فإن هذا التصنيف ينطبق عليها جميعا في مختلف أنحاء المعمورة». ومع ذلك لا يعد «الثوابت» من صنيعته وحده، بل تبنى فيه عملا كتبه مسلح سعودي قُتل عام 2003. وعلى أقصى تقدير، فإن العولقي شخص شعبوي يأخذ عمل الآخرين وينسبه لنفسه.

وعندما خطب داخل الولايات المتحدة (المرة الأولى في سان دييغو وبعد ذلك في فيرجينيا) استغل معرفته باللغة العربية وتراثه اليمني من أجل إضفاء بريق على تاريخه وجعله مثل صوت إسلامي حقيقي. كما تم الربط بينه وبين الميجور نضال حسن، الطبيب النفسي المتهم بقتل 13 شخصا داخل قاعدة عسكرية في تكساس عام 2009، كما حضر بعض المختطفين الضالعين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) خطبه. لكنه لم تكن لديه مكانة بارزة داخل العالم العربي حتى وضعته إدارة أوباما على قائمة المستهدف قتلهم.

ويستغل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هذا الأمر في الدعاية الإعلانية. وتجدر الإشارة إلى أنه لم تذكر أي دعاية من جانب التنظيم اسمه يوما حتى أوردت التقارير في يناير (كانون الثاني) أن الولايات المتحدة قررت أن اغتياله قانوني. وبعد ذلك بفترة قصيرة، كشف مقال في الصحيفة الرسمية لتنظيم القاعدة أن العولقي لم يُقتل في ديسمبر (كانون الأول) في غارة جوية استهدفت تجمعا في محافظة شبوة، كما أوردت تقارير.

وبعد أن أضفت هذه المكانة البارزة على العولقي، تجد الإدارة نفسها في مأزق، فإذا تجاهلته ستبدو خائرة القوى، وإذا نجحت في اغتياله فقد جعلت منه شهيدا. والأفضل أن تضاعف جهودها الرامية إلى تعقب القيادات الحقيقية الأكثر خطورة في التنظيم اليمني مثل الوحيشي وعسيري، الذي يحتمل أنه ضالع في تصنيع المتفجرات المستخدمة في الطرود المفخخة ومحاولة تفجير طائرة على يد عمر فاروق عبد المطلب، الذي يُسمى بانتحاري أعياد الميلاد.

ربما يكون اسم العولقي الوحيد الذي يعرفه أميركيون، لكن لا يجعله ذلك التهديد الأكثر خطورة لأمننا.

* خدمة «نيويورك تايمز»